[ سبأ : ١٣ ].
فإن هذه الآية الكريمة ليس فيها ما يدل على حل التصوير، لأنها إخبار عمّا كان يعمله الجن لسليمان عليه السلام، وليس فيها ما يدل على أن التماثيل كانت لذي روح، ومع ذلك فإنها شريعة سابقة، وقد نصّ العلماء على أنّ ( شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يرد ناسخ )، وقد ورد الناسخ في الشريعة الإسلامية فلا حجة فيها.
وهذه القاعدة : متفق عليها علماء المسلمين، فالسجود بقصد التحية لغير الله تعالى كان جائزاً في شريعة يوسف عليه السلام، وقد حرّمه شرعنا فلا يصح الاحتجاج بما ذكره الله من سجود أخوة يوسف له على إباحة السجود لغير الله، وشريعتنا ناسخة لما قبلها من الشرائع وقد حرمت التماثيل فلا يصح الاحتجاج بهذه الآية الكريمة والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً : الفضل العظيم الذي خصّ الله تعالى به نبيه داود عليه السلام.
ثانياً : تسبيح الجبال والطير مع النبي ( داود ) كان معجزة له عليه السلام.
ثالثاً : الصناعات والحِرَف لا تحط من قدر الأنبياء، فداودُ عليه السلام علّمه الله صنعة الدروع.
رابعاً : سخّر الله لسليمان الريح تجري بأمره، كما سخر لأبيه الجبال والطير تكريماً له عليه السلام.
خامساً : الجن كانت تعمل لسليمان عليه السلام ما يعجز عنه البشر من الأعمال بأمر الله تعالى.
سادساً : صنعُ التماثيل كان مباحاً في شريعة النبي سليمان عليه السلام ثم نسخ في الشريعة الإسلامية.
سابعاً : منصب « النبوّة » أعلى من منصب « المُلْك » وقد جمع الله لسليمان بين النبوة والملك.
ثامناً : فضل الله عظيم على عباده وخاصة منهم الأنبياء فعليهم أن يشكروا الله على نعمه.
تاسعاً : الجن لا تعلم الغيب ولو كانت تعلمه لعرفت موت سليمان عليه السلام وما بقيت في الأعمال الشاقة.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
جاءت الشريعة الإسلامية الغراء، والناس في وثنيّة غارقة، قد تدهورت أحوالهم، وانحطت أوضاعهم، حتى وصلوا إلى درجة عبادة ( الأوثان والأصنام )، وقد كان حول الكعبة المعظمة ثلاثمائة وستون صنماً - بعدد أيام السنة - كلُّها آلهة تُعْبد من دون الله، فلما فتح ﷺ مكة حطَّمها بنفسه فلم يبق لها أثراً وهو يردّد قوله تعالى :﴿ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً ﴾ [ الإسراء : ٨١ ].
وقد دخلت هذه الوثنية إلى العرب، عن طريق أهل الكتاب، وبسبب التماثيل والتصاوير، وانتشرت بينهم انتشار النار في الهشيم، حتى غدت الجزيرة العربية مهداً للوثنيّة، ومركزاً لعبّاد الأوثان والأثنام، فلمّا جاء الإسلام حرّم الصور والتماثيل، وكال ما يدعو إلى ( الوثنية ) من قريب أو بعيد، وحمل حملة شعواء على المصورين، فمنع من تصوير كل ذي روح، حماية للعقيدة، وصيانة للأمة، وتطهيراً للمجتمع من لوثة الشرك وعبادة الأوثان، وبذلك اقتلع الإسلام الوثنية من جذورها، وقضى على الشرك في مهده، وطهّر الجزيرة من كل مظاهر الوثنية والإشراك.