﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور ﴾ [ سبأ : ١٣ ] بخلاف الصابر فإنه كثير والمسألة فيها نظر.
اللطيفة الخامسة : يضرب المثل بصبر أيوب عليه السلام فيقال :( صبرٌ كصبر أيوب ) وقد صبر على البلاء في جسمه، وأهله، وولده مدة ثمان عشرة سنة على الراجح من الأقوال، ويروى أن زوجه لما طلبت منه أن يدعو الله أن يشفيه سألها : كم مكثنا في الرخاء؟ قالت سبعين عاماً، فقال لها : ويحك كنّا في النعيم سبعين عاماً، فاصبري حتى نكون في الضُرّ سبعين عاماً.
ويروى أنه قال لها : إني لأستحيي من الله أن أسأله أن يشفيني وما قضيتُ في بلائي ما قضيتُه في رخائي!!
ولهذا يضرب به المثل في الصبر.
اللطيفة السادسة : روى البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« بينما أيوب يغتسل عرياناً خرّ عليه رِجْلُ جرادٍ من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فناداه ربه يا أيوب : ألم أكن أغنيك عمّا ترى؟ قال : بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك ».
قال بعض العلماء : حين صبر أيوب أكرمه الله بالمال الوفير، والأجر الجزيل، وعوّضَه عن الأهل والولد، بضعفهم وبارك فيهم كما قال تعالى :﴿ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وذكرى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٨٤ ].
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما هو سبب حلف أيوب عليه السلام بضرب أهله؟
دلّ ظاهر قوله تعالى :﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ على أن أيوب عليه السلام كان قد صدر منه يمين على ضرب أهله، ويقول المفسّرون إنه حلف لئن شفاه الله ليجلدنّ زوجته مائة جلدة، فأمره الله أن يأخذ قبضة من حشيش، أو حزمة من الخلال والعيدان، فيضرب بها ليبرّ بيمينه ولا يحنث، ولم تذكر الآية سبب هذا الحلف، وقد ذكر بعض المفسرين كلاماً طويلاً في سبب هذا اليمين، فقيل : إن امرأة أيوب كانت تخدمه وضجرت من طول مرضه، فتمثّل لها الشيطان بصورة طبيب، وجلس في طريقها فقالت له : يا عبد الله إنّ هاهنا إنساناً مبتلى، فهل لك أن تداويه؟ قال : نعم إن شاء شفيته، على أن يقول إذا برأ : أنتَ شفيتني، فجاءت إلى أيوب فأخبرته فقال : ذاك الشيطان، لله عليّ إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة.
وزعم بعضهم أن إبليس لقي زوجه أيوب فقال لها : أنا الذي فعلتُ بأيوب ما فعلت، وأنا إله الأرض، ولو سجدت لي سجدة واحدة لرددت عليه أهله وماله، فجاءت فأخبرت أيوب فأقسم أن يضربها إن عافاه الله.
وكتابُ الله تعالى لم يأت فيه تفصيل للقصة، ولهذا انطلقت الخيالات تنسج قصصاً في سبب بلائه وفي سبب حلقه على زوجه، منها ما هو باطل لا يصح اعتقاده ومنها ما هو ضعيف واهن.


الصفحة التالية
Icon