وذهب عطاء بن أبي رباح : وابن أبي ليلى إلى أن الحكم عام، وأنّ هذه الرخصة لجميع الناس فضلاً من الله تعالى وكرماً، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى.
الحكم الرابع : هل يشترط في الضرب أن يكون مفرّقاً؟
وبناءً على ما سبق فقد اختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط، فجمعها كلَّها وضربه بها ضربة واحدة، هل يكفي ذلك أم لا بدّ في الضرب أن يكون مفرقاً؟
فقال مالك وأحمد : لا يبرّ بيمينه حتى يفرّق الضرب.
وقال أبو حنيفة والشافعي : إذا أصابه واحد منها فقد برّ في يمينه ولا يشترط التفريق.
حجة المذهب الأول :
١- إن هذا الأمر خاص بأيوب وزوجه لأن الله تعالى قال :﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ [ المائدة : ٤٨ ] ولأن زوجة أيوب لم تفعل أمراً تستحق معه جلد مائة، فجعل الله سبحانه لأيوب فرجاً ومخرجاً بذلك.
٢- ولأنه إذ أقسم بالضرب إنما أراد الإيلام، وليس في الضرب بالجميع إيلام.
٣- الأيمان مبناها على النية، فإن لم توجد فعلى اللغة والعرف، واللغة لا تجعل الضارب مرة بسوط ذي شعب ضارباً مرات بعدد الشعب، وكذا العرف فوجب أن تجري على ما هو الحكم عندنا بموجب العرف واللغة.
حجة المذهب الثاني :
١- عموم قصة أيوب عليه السلام، وشرعُ من قبلنا شرع لنا ما لم يأت ناسخ، وقد جاء في الشرع ما يؤيدها، ولم يثبت الناسخ.
٢- واستدلوا بحديث أبي أمامة عن بعض الصحابة من الأنصار : أنه أشتكى رجل منهم فعاد جلدةً على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهشَّ لها، فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال من قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال : استفتوا لي رسول الله ﷺ. فذكروا له ذلك، وقالوا : ما رأينا بأحد من الضر مثل ما به، ولو حملناه لك لتفسَّخت عظامه، ما هو إلا جلدٌ على عظم.
فأمر النبي ﷺ أن يأخذوا له مائة سمراخ فيضربونه بها ضرة واحدة.
ودلالة الآية ظاهرة على صحة هذا القول.
وذلك لأن فاعل ذلك يسمى ضارباً لما شرط من العدد، وذلك يقتضي البر في يمينه.
٣- وقالوا : إن القرآن حكم بأنه لا يحنث بفعله لقوله تعالى :﴿ فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾.
ولكن يجب أن لا يطبق ذلك في الحدود إلا مقيداً بما ورد الحديث به، فيكون ذلك حد المريض الذي وصل من المرض إلى الحد الذي وصف في الحديث الشريف.
الحكم الخامس : هل تجوز الحيلة في الشريعة الإسلامية؟
٣- قال الجصاص : في تفسيره « أحكام القرآن » :( وفي الآية دليل على جواز الحيلة في التوصل إلى ما يجوز فعله، ودفع المكروه بها عن نفسه وعن غيره لأن الله تعالى أمره بضربها بالضغث ليخرج به من اليمين ولا يصل إليها كثير ضرر ).


الصفحة التالية
Icon