﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٣ ]. فقد أفادك هذا الحديث أن الكفارة كانت من شرع أيوب، وأن من كفّر عن غيره بغير إذه فقد قام بالواجب عنه وسقطت عنه الكفارة.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً : إبتلاء الله تعالى لنبيّه أيوب عليه السلام كان امتحاناً لإيمانه، ورفعاً لمقامه.
ثانياً : الإنسان يُبتلى في هذه الحياة على قدر إيمانه، ولهذا كان الأنبياء أعظم الناس ابتلاءً.
ثالثاً : التضرع إلى الله والشكوى إليه سبحانه لا ينافي مقام الصبر الممدوح.
رابعاً : كما يبتلي الله سبحانه بالفقر يبتلي بالغنى، والمؤمن من يشكر الله في السراء والضراء.
خامساً : إذا اتقى الإنسان ربه جعل الله له من أمره فرجاً ومخرجاً، كما صنع بأيوب عليه السلام.
سادساً : زوجة أيوب جازاها الله بحسن صبرها، فأفتاه في ضربها بمائة عود جملة واحدة.
سابعاً : اتخاذ الحيلة جائز إذا لم يكن فيها إبطال حق أو هدم أمرٍ من أمور الشرع الحنيف.
ثامناً : على الإنسان أن يبرّ في يمينه أو يكفر عنها إذا كان ثمة مصلحة وكان الحنث أفضل من البر.
حكمة التشريع
لقد نزل الإسلام بتشريعاته وتعالميه ليحكم المجتمع البشري في كل ظروفه وأحواله، فلهذا أعطى لكل أمر حكماً، وراعى المصالح في أحكامه وتشريعاته كما راعى اختلاف الطباع الإنسانية، فعندما أجاز الشارع ضرب المرء زوجه إنما أجازه أولاً وقبل كل شيء في حدود، وأن يكون الضرب مبرِّحاً، ولا يتعدى حدود التأديب والتهذيب، ومع ذلك فقد اعتبر ضرب الأزواج غير ممدوح فاعله، وتبدو حكمة الترخيص بالضرب جلية في نساء مخصوصات تعوَّّدن عليه، ونشأن في ظلاله، فلم يعد من الممكن تأديبهن إلا بهذه الطريق فأجازها الشارع لذلك.
يقول شهيد الإسلام سيد قطب في كتابه « الظلال » ما نصه :
« وقصة ابتلاء أيوب وصبره ذائعة مشهورة، وهي تضرب مثلاً للابتلاء والصبر ولكنها مشوبة بإسرائيليات تطغى عليها، والحد المأمون في هذه القصَّة هو أن أيوب عليه السلام كان كما جاء في القرآن عبداً صالحاً أوّاباً، وقد ابتلاه الله فصبر صبراً جميلاً، ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعاً ولكنه ظل على صلته بربه، وثقته به، ورضاه بما قسم له.
وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له، ومنهم زوجته بأنَّ اللَّهَ لو كان يحب أيوب ما ابتلاه، وكانوا يحدِّثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد ما يؤذيه الضر والبلاء. فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله ليضربها عدداً عيَّنه، قيل مائة.
وعندئذ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان، ومداخله إلى نفوس خلصائه، ووقع هذا الإيذاء في نفسه :﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾.


الصفحة التالية
Icon