الترجيح : والحق ما ذهب إليه جمهور العلماء سلفاً وخلفاً من أن الصحابة كلهم عدول، ببركة صحبة النبي ﷺ، ومزيد ثناء الله عزّ وجلّ عليهم في كتابه العزيز كقوله سبحانه :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] أي عدولاً، وقوله سبحانه :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] وقوله جلّ ذكره :﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [ الفتح : ٢٩ ]. وقوله جلّ وعلا :﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصادقون ﴾ [ الحشر : ٨ ] وقوله جلّ وعلا :﴿ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [ المائدة : ١١٩ ] إلى آخر ما هناك من الآيات الكثيرة.
وكذلك ما ثبت في السنة المطهرة من مدحهم، والثناء عليهم، وبيان أنهم أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ على الإطلاق، ونحن نذكر بعض هذه الأحاديث الشريفة التي تشير إلى فضيلتهم باختصار.
أ- قال ﷺ :« خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم » الحديث.
ب- وقال ﷺ :« لا تسبُّوا أصحابي فالوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه ».
ج - وقال ﷺ :« اللَّهَ اللَّهَ في أصحابي، لا تتّخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ».
فهذه الأخبار التي وردت في الكتاب والسنة كلها متضافرة على عدالة الصحابة وأفضليتهم على سائر الناس، وما وقع من بعضهم من مخالفات فليس يسوغ لنا أن نحكم عليهم بالفسق، لأنهم لا يصرّون على الذنب، وإذا تاب الإنسان رجعت إليه عدالته ولا يحكم بفسقه على التأبيد، فهذا ( ماعز الأسلمي ) الذي ارتكب الفاحشة يقول عنه النبي ﷺ بعد أن أمر برجمه « لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم ».
والقولُ : بأنَّ بعض الصحابة قد وقع في الذنب والمخالفة - بناء على الاعتقاد بعدم عصمتهم - لا يعني أنهم غير عدول، لن الفاسق الذي ترد شهادته وروايته هو الذي يصرّ على الذنب والمعصية، وليس في الصحابة من يصر على ذلك.
وقد عرفتَ ما ذكره الإمام الفخر أنها لم تنزل خاصة بسبب ( الوليد بن عقبة ) وإنما نزلت عامة في بيان حكم كل فاسق، وأنها نزلت في ذلك الوقت الذي حدثت فيه تلك القصة، فهي مِثْل التاريخ لنزول الآية، وكلامُ الإمام الفخر نفيس فارجع إليه.
الحكم الثالث : هل تقبل شهادة الفاسق أو المبتدع؟
أتفق العلماء على أن شهادة الفاسق لا تقبل عملاً بالآية الكريمة ﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾، وكذلك لا تقبل روايته، لأن الرواية عن رسول الله ﷺ أمانة ودين، والفسقُ يبطلها لاحتمال كذبه على رسول الله ﷺ.


الصفحة التالية
Icon