ثمّ إنّ المخاطب أحد رجلين : إمَّا مؤمن بالقرآن، أو مكذب به، فالمؤمن لا يحتاج إلى قسم فهو مصدِّقٌ بما أخبر عنه الله تعالى بدون يمين، والمكذّب الذي لم تغنه الآيات والنّذُر لن يصدّق بمجرد القسم بعد أن لم يؤثر فيه الدليل، فثبت أنّ المراد بالقسم إنما هو توكيد الكلام ليس إلاّ ولفتُ النظر إلى أهمية الموضوع، وأهمية الأمر، فحين يقسم الله تعالى بشيء من الأشياء تتوجه النفس إلى سرّ هذا القسم بهذا المخلوق متسائلة ما سرّه؟ وما معناه؟ ولم أقسم به دون غيره؟ وحينئذٍ تبحث عن الحكمة والسرِّ في ذلك القسم!!
الحكم السادس : ما هي أنواع القسم المذكورة في القرآن الكريم؟
ورد القسم في القرآن الكريم على أنواع عديدة، وضروب شتى، إمَّا من ناحية القسم نفسه، أو من ناحية المقسم عليه.
١- فجاء القسم بالذات العلية مثل قوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ [ الذاريات : ٢٣ ] وقوله :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ الحجر : ٩٢ ].
٢- وجاء القسم بأشياء من خلقه سبحانه مثل :﴿ والتين والزيتون ﴾ [ التين : ١ ] ﴿ والشمس وَضُحَاهَا ﴾ [ الشمس : ١ ] ﴿ والفجر * وَلَيالٍ عَشْرٍ ﴾ [ الفجر : ١ - ٢ ].
٣- وجاء القسم بالقرآن الكريم مثل :﴿ ص والقرآن ذِي الذكر ﴾ [ ص : ١ ] ﴿ حم* والكتاب المبين ﴾ [ الزخرف : ١ - ٢ ] ﴿ ق والقرآن المجيد ﴾ [ ق : ١ ].
٤- وجاء أيضاً على الشكل الذي معنا في الآيات الكريمة بلا النافية وفعل القسم مثل قوله تعالى :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس * الجوار الكنس ﴾ [ التكوير : ١٥ - ١٦ ] وقوله :﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ﴾ [ القيامة : ١ ] وقوله :﴿ لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد ﴾ [ البلد : ١ ] هذا من ناحية القسم.
أما من ناحية المقسم عليه فإمّا أن يكون.
١- أصول الإيمان كوحدانية الله سبحانه مثل قوله تعالى :﴿ والصافات صَفَّا... إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ ﴾ [ الصافات : ١ - ٤ ].
٢- أو يكون المراد إثبات أن القرآن حق مثل الآية التي معنا ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم... إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾. ٣- أو يكون المراد إثبات نبوته ﷺ مثل قوله تعالى :﴿ يس * والقرآن الحكيم * إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين ﴾ [ يس : ١ - ٣ ].
٤- أو يكون المراد نفي صفة ذميمة أتهم بها المشركون الرسول ﷺ مثل قوله :﴿ ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [ القلم : ١ - ٢ ].
الحكم السابع : هل يجوز القسم بغير الله سبحانه؟
أجمع العلماء على حرمة القسم بغير الله سبحانه، أو صفةٍ من صفاته تعالى لقوله ﷺ :« من كان حالفاً فليحلف بالله أو فليذر » هذا بالنسبة للخلق، أما بالنسبة للخالق فله أن يقسم بما شاء من خلقه، لأن في القسم بالشيء تنبيهاً إلى عظمته وأهميته، والله سبحانه وتعالى قد أقسم بكثير من الآيات كما مر معنا تنبيهاً إلى شرفها وما حوت من إبداع وإتقان ليكون ذلك دليلاً على عظمة خالقها جل وعلا.