وقرأ ابن مسعود ﴿ بأمهاتِهم ﴾ بزيادة الباء.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ وتشتكي إِلَى الله ﴾ عطف على ﴿ تجادلك ﴾ فهو من عطف الجمل لا محل لها من الإعراب لكونها صلة للتي.
وجوّز بعضهم أن تكون حالاً، أي تجادلك شاكية حالها إلى الله ويقدر مبتدأ أي وهي تشتكي؛ لأن المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح فيقدر معها المبتدأ لتكون اسمية.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ الذين يظاهرون مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ ﴾ اسم الموصول ﴿ الذين ﴾ مبتدأ خبره محذوف أي مخطئون، وأقيم دليله هو قوله تعالى :﴿ مَّا هُنَّ أمهاتهم ﴾ مقامه.
وقال ابن الأنباري : خبره ( ما هن أمهاتهم ) أي ما نساؤهم أمهاتهم.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ مَّا هُنَّ أمهاتهم إِنْ أمهاتهم ﴾.
قال الفراء : وانتصابُ الأمهات هاهنا بإلقاء الباء، وهي قراءة عبد الله ﴿ ما هن بإمهاتهم ﴾ ومثله ﴿ ما هذا بشراً ﴾ أي ما هذا ببشر، فلما ألقيت الباء أبقى أثرها، وهو النصب، وعلى هذا كلام أهل الحجاز، فأما أهل نجد فإنهم إذا ألقوا رفعوا وقالوا :( ما هنّ أمهاتُهم ) و ( ما هذا بشرٌ ).
وقال أبو حيان : أجرى ( ما ) مُجْرَى ( ليس ) في رفع الاسم ونصب الخبر كما في قوله تعالى :﴿ مَا هذا بَشَراً ﴾ [ يوسف : ٣١ ] وقوله :﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٧ ].
أقول : هذا هو الصحيح لأن ( ما ) بمعنى ليس فهي نافية حجازية وهي لغة القرآن.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً ﴾ انتصب ( منكراً وزوراً ) على الوصف لمصدر محذوف، وتقديره وإنهم ليقولون قولاً منكراً، وقولاً زوراً.
خامساً : قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ اسم الموصول ( الذين ) مبتدأ، وقوله تعالى :﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ مبتدأ آخر خبره مقدر أي فعليهم تحرير رقبة، أو فكفارتهم تحرير رقبة.
والجملة من المبتدأ وخبره خبر الموصول، ودخلته الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
سادساً : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾.
قال ابن الأنباري : الجار والمجرور في موضع نصب لأنه يتعلق ب ( يعودون ) و ( ما ) مصدرية، وتقديره ( يعودون لقولهم ). والمصدر في موضع المفعول كقولك ( هذا الثوب نسج اليمن )، أي منسوجه، ومعناه يعودون للإمساك المقول فيه الظهار ولا يطلِّق.
وقيل : اللامُ في ﴿ لِمَا قَالُواْ ﴾ بمعنى ( إلى ) أي يعودون إلى قول الكلمة التي قالوها أولاً من قولهم : أنت علي كظهر أمي وهذا من مذهب أهل الظاهر.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : يقول علماء اللغة :( قَدْ ) حرف يُوجَب به الشيء وهي إذا دخلت على الماضي تفيد ( التحقيق ) وإذا دخلت على المضارع تفيد ( التقليل ) لأنها تميل إلى الشك تقول : قد ينزل المطر، وقد يجود البخيل، وأمّا في كلام الله فهي للتحقيق سواءً دخلت على الماضي أو المضارع كقوله تعالى :﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ١٨ ].
قال الجوهري :( قد ) حرف لا يدخل إلاّ على الأفعال.
قال الزمخشري :« معنى ( قد ) التوقع لأنه ﷺ والمجادِلة كانا متوقعين أن ينزل الله في شكواها ما يفرّج عنها ».


الصفحة التالية
Icon