الحكم الثامن : ما هي كفارة الظهار؟
الكفارة هي : عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً كما دلت عليه الآية.
أ- الإعتاق : وقد أطلقت الرقبة في الآية فهل تجزئ أي رقبة ولو كانت كافرة؟
ذهب الحنفية : إلى أنه يجزئ في الكفارة إعتاق الرقبة الكافرة والمؤمنة، والذكر والأنثى، والكبير والصغير، ولو رضيعاً لأن الاسم ينطلق على كل ذلك.
وذهب الشافعية والمالكية : إلى اشتراط الإيمان في الرقبة، فلا يصح عتق غير المؤمن حملا للمطلق على المقيد في آية القتل لقوله تعالى :﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ﴾ [ النساء : ٩٢ ] بجامع عدم الإذن في السبب في كل منهما.
وقال الحنفية : لا يحمل المطلق على المقيد إلا في حكم واحد في حادثة واحدة، لأنه حينئذٍ يلزم ذلك لزوماً عقلياً إذ الشيء لا يكون نفسه مطلوباً إدخاله في الوجود مطلقاً ومقيداً، كالصوم في كفارة اليمين، ورد مطلقاً ومقيداً بالتتابع في القراءة المشهورة التي تجوز القراءة بمثلها.
والمناقشة : بين القولين تنظر في كتب الأصول والفروع.
وأما الإمام أحمد : ففي المسألة عنه روايتان.
ب- صيام شهرين متتابعين : من عجز عن إعتاق الرقبة فعليه صوم شهرين متتابعين.
ويعتبر الشهر بالهلال فلا فرق بين التام والناقص، وإن صام بغير الأهلة فلا بد من ستين يوماً عند الحنفية.
وعند الشافعية والمالكية : يصوم إلى الهلال ثم شهراً بالهلال ثم يتم الأول بالعدد.
ج - إطعام ستين مسكيناً : من لم يستطع صيام شهرين متتابعين بأن لم يستطع أصل الصيام، أو بأن لم يستطع تتابعه لسبب من كبر أو مرض لا يرجى زواله عادة أو بقول طبيب فعليه إطعام ستين مسكيناً.
واختلف الفقهاء في قدر الإطعام لكل مسكين.
قال أبو حيان : والظاهر مطلق الإطعام وتخصّصه ما كانت العادة في الإطعام وقت النزول وهو ما يشبع من غير تحديدٍ بمد.
ولا يجزئ عند مالك والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكيناً.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أطعم مسكيناً واحداً كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه.
الحكم التاسع : هل تتغلّظ الكفارة بالمسيس قبل التكفير؟
أ- ذهب أبو حنيفة : إلى أن المظاهر إذا جامع زوجته قبل أن يكفر أثم وعصى الله، وتسقط عنه الكفارة لفوات وقتها.
ب- وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه أثم وعصى ويستغفر ويتوب ويمسك عن زوجه حتى يكفِّر كفارة واحدة.
قال أبو بكر الرازي :« إن الظهار لا يوجب كفارة، وإنما يوجب تحريم الوطء، ولا يرتفع إلا بالكفارة، فإذا لم يرد وطأها فلا كفارة عليه، وإن ماتت أو عاشت فلا شيء عليه إذ كان حكم الظهار إيجاب التحريم فقط مؤقتاً بأداء الكفارة، وأنه متى لم يكفر فالوطء محظور عليه، فإن وطئ سقط الظهار والكفارة، وذلك لأنه علَّق حكم الظهار وما أوجب به من الكفارة بأدائها قبل الوطء لقوله :﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾ فمتى وقع المسيس فقد فات الشرط فلا تجب الكفارة بالآية، لأن كل فرض محصور بوقت أو معلق على شرط، فإنه متى فات الوقت، وعُدِم الشرط، لم يجب باللفظ الأول واحتيج إلى دلالة أخرى في إيجاب مثله في الوقت الثاني، فهذا حكم الظهار إذا وقع المسيس قبل التكفير إلا أنه قد ثبت عن النبي ﷺ أن رجلاً ظاهر من امرأته فوطئها قبل التكفير ثم سأل النبي ﷺ فقال له : استغفر الله ولا تعد حتى تكفِّر، فصار التحريم الذي بعد الوطء واجباً بالسنة ».


الصفحة التالية
Icon