دليل المذهب الثاني :
واستدلّ ( أبو حنيفة والثوري ) على أنه واجب وليس بركن بما يلي :
أ - إن الآية الكريمة رفعت الإثم عمّن تطّوف بهما ﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ ورفعُ الجناح يدل على الإباحة لا على أنه ركن، ولكنّ فعل النبي ﷺ جعله واجباً فصار كالوقوف بالمزدلفة، ورمي الجمار، وطواف الصدر، يجزئ عنه دم إذا تركه.
ب - واستدل بما روى الشعبي عن ( عروة بن مضرس الطائي ) قال :« أتيت رسول الله ﷺ بالمزدلفة فقلت يا رسول الله : جئت من جبل طي، ما تركتُ جبلاً إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال ﷺ : من صلى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، وقد أدرك عرفة قبل ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه ».
ووجه الاستدلال في الحديث من وجهين :
أحدهما : إخباره بتمام الحج وليس فيه السعي بين الصفا والمروة.
والثاني : أنه لو كان من فروضه وأركانه لبيّنه للسائل لعلمه بجهله بالحكم.
دليل المذهب الثالث :
واستدل من قال بأنه تطوع وليس بركنٍ ولا واجب بما يلي :
أ - قوله تعالى :﴿ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ فبيّن أنه تطوع وليس بواجب، فمن تركه لا شيء عليه عملاً بظاهر الآية.
ب - حديث ( الحج عرفة ) قالوا : فهذا الحديث يدل على أنّ من أدرك عرفة فقد تمّ حجه، وهذا يقتضي التمام من جميع الوجوه، العمل ترك به في بعض الأشياء، فبقي العمل معمولاً به في السعي.
قال ابن الجوزي :« واختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في السعي بين الصفا والمروة، فنقل الأثرم أنّ من ترك السعي لم يجزه حجه، ونقل أبو طالب : لا شيء في تركه عمداً أو سهواً، ولا ينبغي أن يتركه، ونقل الميموني أنه تطوع ».
الترجيح : ورجّح صاحب « المغني » المذهب الثاني وقال : هو أولى لأن دليل من أوجبه دلّ على مطلق الوجوب، لا على كونه لا يتم الواجب إلا به، وقول عائشة مُعَارَضٌ بقول من خالفها من الصحابة.
أقول : الصحيح قول الجمهور لأن النبي ﷺ سعى بين الصفا والمروة وقال :« خذوا عني مناسككم » والاقتداء بالرسول ﷺ واجب ودعوى من قال : إنه تطوع أخذاً بالآية غير ظاهر لأن معناها كما قال الطبري : أن يتطوع بالحج والعمرة مرة أخرى والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - الصفا والمروة من شعائر دين الله وأعلام طاعته التي تعبدنا الله بها.
٢ - السعي بين الصفا والمروة إحياء لحادثة تاريخية وقعت لأم إسماعيل عليها السلام.


الصفحة التالية
Icon