وأما ما يقوله بعضهم : من أنّ القيام ركن من أركان الصلاة، فلذلك يحرم، لأنه يشبه العبادة... إلخ فهذا جهل مطبق لا يصدر من فقيه عالم يتصدى لاستنباط الأحكام!!
كيف والصلاة تشتمل على أركان كثيرة كالقعود، وقراءة القرآن، والتشهد، والصلاة على النبي ﷺ في بعض الأقوال - كما هو مذهب الإمام الشافعي - فهل يقول أحد : إن الجلوس بين يدي العالم حرام لأنه ركن من أركان الصلاة؟ وإن تلاوة القرآن لا تجوز أمام أحد لأنها ركن من أركان الصلاة؟ وإن الصلاة على النبي عليه السلام حرام في حضرة الناس لأنها ركن من أركان الصلاة؟!!
وقياسُ القيام على الركوع والسجود في الحرمة، قياسٌ مع الفارق، وهو قياس باطل، لأن الركوع والسجود لا يجوز لغير الله كما قال عليه السلام :« لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها » وقد ورد في تحريمه النص القاطع، أمّا القيام، والقعود، والاضطجاع، فليس من هذا القبيل، وكفانا الله شرّ الجهل، وحماقة المتطفلين على العلم والعلماء!!
الحكم الرابع : هل الصدقة عند مناجاة الرسول ﷺ واجبة؟
اختلف العلماء في قوله تعالى :﴿ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾ هل الأمر للوجوب أو الندب؟
فقال بعضهم : إنَّ الأمر للوجوب، ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ومثل هذا لا يُقال إلا في الواجبات التي لا يصح تركها.
وقال آخرون : إن الأمر للندب والاستحباب، وذلك لأنّ الله تعالى قال في الآية :﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾ ومِثلُ هذا قرينة تصرف الأمر عن ظاهره، وهو إنما يستعمل في التطوع دون الفرض.
ومن جهة أخرى : فإنّ الله تعالى قال في الآية التي بعد هذه مباشرة ﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صدقات ﴾ ؟ وهذا يزيل ما في الأمر الأول من احتمال الوجوب، ويبقى الأمر للندب.
واتفق العلماء على أن الآية منسوخة، نسختها الآية التي بعدها ﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ ﴾ وقد اختلفوا في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ، فقيل : بقي التكليف عشرة أيام ثم نسخ، وقيل : ما بقي إلاّ ساعة من النهار ثم نسخ.
وقد روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال :( إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم، فكلّما ناجيت الرسول ﷺ قدّمت بين يدي نجواي درهماً، ثمّ نُسختْ فلم يعمل بها أحد ).
قال القرطبي :( وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل، وما روي عن عليّ رضي الله عنه ضعيف، لأن الله تعالى قال :﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ ﴾ وهذا يدلّ على أنّ أحداً لم يتصدّق بشيء، والله أعلم ).
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً : وجوب التوسعة في المجلس للقادم لأنها من مكارم الأخلاق.
ثانياً : التوسعة للمؤمن في المجلس سببٌ لرحمة الله تعالىّ وطريقٌ لرضوانه.
ثالثاً : الرفعة عند الله والعزة والكرامة إنما تكون بالعلم والإيمان.
رابعاً : وجوب تعظيم الرسول ﷺ وعدم الإثقال عليه في المناجاة.
خامساً : تقديم الصدقة قبل المناجاة مظهر من مظاهر تكريم الرسول ﷺ.
سادساً : نسخ الأحكام الشرعية لمصلحة البشر تخفيف من الله تعالى على عباده.
سابعاً : الصلاة والزكاة أعظم أركان الإسلام ولهذا قرن القرآن الكريم بينهما في كثير من الآيات.


الصفحة التالية
Icon