يقول سيد قطب رحمه الله :« ويظهر أن النص لم يكن قاطعاً في موضوع النساء، فنزلت هاتان الآيتان تمنعان ردّ المهاجرات المؤمنات إلى الكفار، خشية أن يُفتنّ في دينهن وهنّ ضعاف، ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها، تنظّم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته، دون تأثر بسلوك الفريق الآخر، وما فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته، دون تأثر بسلوك الفريق الآخر، وما فيها من شطط وجور، على طريقة الإسلام في كل معاملاته الداخلية والدولية ».
الحكم الثاني : ما هو حكم المشركة إذا خرجت إلينا مسلمة؟
دلّ قوله تعالى :﴿ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ على أن المرأة إذا أسلمت وقعت الفرقة بينها وبين زوجها، فلا تحلّ له، ولا يحلّ لها.
وقد اختلف الفقهاء هل تحصل الفرقة بالإسلام، أم باختلاف الدارين؟ على مذهبين :
أ- مذهب أبي حنيفة : أن الفرقة تقع باختلاف الدارين.
ب- مذهب الجمهور ( الشافعية والمالكية والحنابلة ) : أنّ الفرقة تقع بالإسلام وذلك عند انتهاء عدتها، فإن أسلم الزوج قبل انتهاء عدتها فهي امرأته.
دليل الحنفية :
أ- قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار ﴾ فلو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد.
ب- قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ﴾ قالوا : ولو كانت الزوجية باقية لما استحقَّ الزوج ردّ المهر، لأنه لا يجوز أن يستحق البُضع وبدله.
ج - قوله تعالى :﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ ﴾ ولو كان النكاح الأول باقياً لما جاز لأحدٍ أن يتزوج بها.
د- قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾ لأن معناه عندهم : لا تتمسكوا بعصمة الكافرة، ولا تعتدوا بها، ولا تمنعكم من التزوج بها.
ه - وقالوا أيضاً : لقد اتفق الفقهاء على جواز وطء ( المسبيّة ) بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج في دار الحرب، ولا سبب يبيح هذا إلاّ اختلافُ الدار، وقد قال ﷺ في السبايا :« لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تُستبرأ بحيضه ».
أدلة الجمهور :
أ- قالوا : إنّ سبب الفرقة هو الإسلام، لأنها لم تعد صالحة لأن تكون فراشاً لكافر، ولو كان اختلاف الدار هو سبب الفرقة، لوجب أن تحصل الفرقة بمجيء المشركة إلينا ودخولها بعهد أمان ولو لم تسلم، ولم يقل به أحد.
ب- ما روي عن مجاهد أنه قال :« إذا أسلم الكافر وهي في العدّة فهي امرأته، وإن لم يسلم فُرّق بينهما ».
ج - ما روي عن ابن عباس أنه قال :( ردّ النبي ﷺ ابنته زينب على ( أبي العاص بن الربيع ) بالنكاح الأول، وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة وبقي زوجها بمكة مشركاً، ثمّ ردّها عليه بعد إسلامه ).