وقد قال الفخر الرازي :« فلم يكن لها الخروج، وإن رضي الزوج، ولا إخراجها وإن رضيت إلا عن ضرورة ».
الحكم الرابع : ما هي الفاحشة التي تخرج بها المعتدة من المنزل؟
لقد اختلف السلف في المراد بالفاحشة في قوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بفاحشة مُّبَيِّنَةٍ ﴾ وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء.
فقال أبو حنيفة : بقول ابن عمر : خُروجُها قبل انقضاء العدة فاحشةٌ. فيكون معنى الآية إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير حق.
والاستثناء عليه راجع إلى ﴿ لاَ يَخْرُجْنَ ﴾ والمعنى :« لا يُسمع لهن في الخروج إلا في الخروج الذي هو فاحشة، ومن المعلوم أنه لا يُسمع لهن فيه فيكون ذلك منعاً عن الخروج على أبلغ وجه.
قال ابن الهمام : كما يقال :»
لا تزن إلاَّ أن تكون فاسقاً، ولا تشتم أُمَّك إلا أن تكون قاطع رحم، ونحو ذلك وهو بديع وبليغ جداً «.
وقال أبو يوسف بقول الحسن وزيد بن أسلم : هو أن تزني فتخرج للحد ( أي لا تُخْرجوهنَّ إلا إن زنين ).
وعن ابن عباس قال : إلا أن تبذو على أهله، فإذا فعلت ذلك حلَّ لهم أن يُخْرجوها، كما ورد عن فاطمة بنت قيس أنها أخرجت لذلك.
وعنه أيضاً قال : جميع المعاصي من سرقة أو قذف أو زنا أو غير ذلك واختاره الطبري.
وقال الضحاك : الفاحشة المبينة : عصيانُ الزوج.
وقال قتادة : إلا أن تَنْشزَ فإذا فعلت حلَّ إخراجها.
قال أبو بكر الجصاص : هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ، وجائز أن يكون جميعها مراداً، فيكون خروجها فاحشة، وإذا زنت أخرجت للحد، وإذا بذت على أهله أخرجت أيضاً.
فأما عصيان الزوج والنشوز، فإن كان في البذاءة وسوء الخلق اللذين يتعذر القيام معها فيه فجائز أن يكون مراداً، وإن كان إنما عصت زوجها في شيء غير ذلك فإن ذلك ليس بعذر في إخراجها »
.
وأما ابن العربي فقال : أما من قال إنه الخروج للزنى، فلا وجه له لأن ذلك الخروج هو خروج القتل والإعدام، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام، وأما من قال إنه البذاء فهو مفسر في حديث فاطمة بنت عيس، وأما من قال إنه الخروج بغير حق فهو صحيح وتقدير الكلام :« لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعاً إلى أن يخرجن تعدياً ».
الحكم الخامس : ما حكم الإشهاد في الفرقة والرجعة؟
قال أبو حنيفة : الإشهاد مندوب إليه في الفرقة والرجعة لقوله تعالى :﴿ وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ] فإنَّ الإشهاد في البيع مندوب لا واجب فكذا هنا وهو قول مالك والشافعي وأحمد في أحد قوليهما.
وقال الشافعي وأحمد : في القول الآخر : الإشهاد واجب في الرَّجعة، مندوب إليه في الفرقة.


الصفحة التالية
Icon