وقال جماعة من المفسّرين : ليس في القرآن سورة نسخَ آخرُها أوّلَها سوى هذه الآية.
الحكم الثاني : هل تجوز قراءة القرآن بالتلحين؟
أمر الله جلّ ثناؤه بترتيل القرآن ﴿ وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً ﴾ أي اقرأه على تؤده وتمهل وتبين حروف، بحيث يتمكن السامع من استيعابه وتدبر معانيه.
ولا خلاف بين العلماء أن قراءة القرآن بالترتيل بمعنى التجويد، وهو تبيين الحروف، وتحسين المخارج، وإظهار المقاطع حسن مطلوب، إنما الكلام في التغنّي به وتلحينه هل هو جائز أم ممنوع؟
وقد اختلفت فيه آراء الأئمة الفقهاء، تبعاً لاختلاف الصحابة والتابعين، ونحن نذكر مذاهبهم مع أدلة كلّ فريق بشيء من التفصيل، فنقول ومن الله نستمدّ العون :
مذاهب الفقهاء في القراءة بالتلحين :
أولاً : مذهب ( المالكية والحنابلة ) : كراهة القراءة بالتلحين، وهو منقول عن ( أنس بن مالك ) و ( سعيد بن المسيّب ) و ( سعيد بن جبير ) و ( القاسم بن محمد ) و ( الحسن البصري ) و ( إبراهيم النخعي ) و ( ابن سيرين ).
ثانياً : مذهب ( الحنفيّة والشافعية ) : جواز القراءة بالتلحين، وهو منقول عن :( عمر بن الخطاب ) و ( ابن عباس ) و ( ابن مسعود ) و ( عبد الرحمن بن الأسود بن زيد ) وقد ذهب إليه من المفسرين ( أبو جعفر الطبري ) و ( أبو بكر بن العربي ).
أدلة المذهب الأول :
أ- حديث :« أقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتهم، وإيّاكم ولحونَ أهل الكتاب والفسق، فإنه يجيءُ من بعدي أقوام يرجّعُون بالقرآن ترجّع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهُمْ، مفتونةٌ قلوبُهم وقلوبُ الذين يعجبهم شأنُهم ».
فقد نعى عليه السلام على من يرجّع بالقرآن ترجيع الغناء والنوح على نحو ما يفعله أكثر قرّاء هذا العصر.
ب- حديث :« يتخذون القرآن مزامير، يقدّمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ليغنّيَهم غناءً ».
ج - حديث :« إنّ الأذانَ سهلٌ سمحٌ، فإن كان أذانُك سهلاً سمحاً وإلاَّ فلا تؤذّن » قالوا : فقد كره النبي ﷺ أن يطرب المؤذن في أذانه، فدلّ ذلك على أنه يكره التطريب في القراءة بطريق الأولى.
د- وقالوا أيضاً : إن التغنّي والتطريب يؤدي إلى أن يزاد على القرآن ما ليس منه، وذلك لأنه يقتضي مدّ ما ليس بممدود، وهمز ما ليس بمهموز، وجعل الحرف الواحد حروفاً كثيرة وهو لا يجوز، هذا إلى أن التلحين من شأنه أن يلهي النفوس بنغمات الصوت، ويصرفها عن الاعتبار والتدبر لمعاني القرآن الكريم.
وقد سئل ( مالك ) عن الألحان في الصلاة فقال : لا تعجبني، وقال : إنما هو غناء يتغنّون به ليأخذوا عليه الدراهم.
وروي عن الإمام ( أحمد ) أنه كان يقول : قراءة الألحان ما تعجبني، والقراءة بها بدعة لا تسمع.
وسئل : ما تقول في القراءة بالألحان؟ فقال للسائل : ما اسمك؟ قال : محمد، قال له : أيسرّك أن يقال لك : يا موحامد ممدوداً؟
أدلة المذهب الثاني :
واستدل المجيزون للقراءة بالتلحين وهم ( الحنفية والشافعية ) بأدلة نوجزها فيما يلي :
أ- حديث :