فانتدب معه في الكلام فقيه الشافعية وإمامهم بها ( عطاء المقدسي ) وقال : ما استدل به الشيخ الإمام لا حجة له فيه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الله سبحانه قال :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص ﴾ فشرط المساواة في المجازاة، ولا مساواة بين المسلم والكافر، فإنّ الكفر حطّ منزلته، ووضع مرتبته.
الثاني : أنّ الله سبحانه ربط آخر الآية بأولها، وجعل بيانها عند تمامها فقال :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾ فإذا نقص العبد عن الحر بالرق - وهو من آثار الكفر - فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر.
الثالث : أن الله سبحانه وتعالى قال :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر، فدل على عدم دخوله في هذا القول.
فقال الزوزني : دليل صحيح، وما اعترضت به لا يلزمني منه شيء.
أما قولك : إن الله تعالى شرط المساواة في المجازاة فكذلك أقول، وأمّا دعواك أنّ المساواة بين الكافر والمسلم في القصاص معدومة فغير صحيح، فإنهما متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاص، وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد، فإنّ الذمي محقون الدم، والمسلم محقون الدم، وكلاهما في دار الإسلام، والذي يحقّق ذلك أن المسلم يُقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدلّ على مساواته لدمه، إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه.
وأما قولك : إنّ الله ربط آخر الآية بأولها فغير مسلّم، فإنّ أول الآية عامٌ، وآخرها خاصٌ، وخصوص آخرها لا يمنع من عموم أولها، بل يجري كلٌ حكمه من عموم أو خصوص.
وأما قولك : إن الحر لا يقتل بالعبد فلا أسلّم، بل يقتل به قصاصاً، فتعلقت بدعوى لا تصح لك.
وأما قولك :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ يعني المسلم فكذلك أقول، ولكن هذا خصوص في العفو فلا يمنع من عموم القصاص.. الخ.
قال ابن العربي : وجرت مناظرة عظيمة، حصلنا منها فوائد جمة، أثبتناها في « نزهة الناظر ».
الحكم الثاني : هل يقتل الوالد إذا قتل ولده؟
قال الجمهور : لا يقتل الوالد إذا قتل ولده، لما روي عن النبي ﷺ أنه قال :« لا يُقتل وِالدٌ بولده ».
قال الجصاص :« وهذا خبرٌ مستفيض مشهور، وقد حكم به عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة من غير خلاف من واحد منهم عليه، فكان في حيّز المتواتر ».