قال العلامة أبو السعود : وإنما قال ( بسم الله ) ولم يقل ( بالله ) وذلك للتفريق بين اليمين والتيمن، يعني ( التبرك )، أو لتحقيق ما هو المقصود بالاستعانة، فذكر الاسم لينقطع احتمال إرادة المسمّى، ويتعيّن حمل الباء على الاستعانة أو التبرك.
اللطيفة الرابعة : الفرق بين لفظ ( الله ) ولفظ ( الإله ) أن الأول اسم علم للذات المقدسّة لا يشاركه فيه غيره، ومعناه المعبود بحق، والثاني يطلق على الله تعالى وعلى غيره، وهو مشتق من ( ألَهَ ) ومعناه المعبود، سواءً كان بحق أو غير حق، فالأصنام التي كان يعبدها العرب تسمّى ( آلهة ) جمع ( إله ) لأنها عُبدت بباطل من دون الله، وما كان أحد يسمى الصنم ( الله ) بل كان العربي في الجاهلية إذا سئل : من خلقك؟ أو من خلق السماوات والأرض؟ يقول : الله، وفيهم يقول القرآن الكريم :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله... ﴾ [ لقمان : ٢٥ ].
اللطيفة الخامسة : في قولنا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فوائد جليلة، منها التبرك بذكر اسم الله تعالى، والتعظيم لله تعالى، وطرد للشيطان لأنه يهرب من ذكر اسم الله، وفيها إظهار لمخالفة المشركين، الذين يفتتحون أمورهم بذكر الأصنام أو غيرها من المخلوقين الذين كانوا يعبدونهم، وفيها أمان للخائف ودلالة على انقطاع قائلها إلى الله تعالى، وفيها إقرار بالألوهية، واعتراف بالنعمة، واستعانة بالله تعالى، وفيها اسمان من أسمائه تعالى المخصوصة به وهما ( الله ) و ( الرحمن ).
اللطيفة السادسة : الألف واللام في ( الحمد ) لاستغراق الجنس، والمعنى لا يستحق الثناء الكامل، والحمد التام الوافي، إلاّ الله ربّ العالمين، فهو الإله المنعوت بصفات الكمال، المستحق لكل تمجيد وتعظيم وتقديس، والصيغة وردت معرّفة ( الحمدُ لله ) للإشارة إلى أنّ الحمد له تعالى أمر دائم مستمر، لا حادث متجدّد، فتدبره فإنه دقيق.
اللطيفة السابعة : فائدةٌ ذكر ﴿ الرحمن الرَّحِيمِ ﴾ : عقب لفظ ﴿ رَبِّ العالمين ﴾ هي أن لفظ ( الربّ ) ينبئ عن معنى الكبرياء، والسيادة، والقهر، فربمّا توهّم السامع أن هذا الربّ قهّار جبّار لا يرحم العباد فدخل إلى نفسه الفزع، واليأس، والقنوط، لذلك جاءت هذه الجملة لتؤكد أن هذا الرب - جلّ وعلا - رحمن رحيم، وأن رحمته وسعت كل شيء.
قال أبو حيّان : بدأ أولاً بالوصف بالربوبيّة، فإن كان الرب بمعنى السيّد، أو بمعنى المالك، أو بمعنى المعبود، كان صفة فعل للموصوف، فناسب ذلك الوصف بالرحمانية والرحيمية، لينبسط أمل العبد في العفو إن زلّ، ويقوى رجاؤه إن هفا.


الصفحة التالية
Icon