[ ٩ ] مشروعية القتال في الإسلام
﴿ ثَقِفْتُمُوهُم ﴾ : الثّقْفُ : الأخذ، والإدراك، والظفر يقال : ثقفه وجده أو ظفر به.
قال في اللسان : ثَقِف الرجلَ : ظفر به قال تعالى :﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب ﴾ [ الأنفال : ٥٧ ] ورجل ثقيف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور.
قال الراغب : الثقفُ : الحِذقُ في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير المثاقفة ويقال : ثقفتُ كذا إذا أدركته ببصرك لحذقٍ في النظر.
وفي « الكشاف » : الثقفُ وجودٌ على وجه الأخذ والغلبة، ومنه رجلٌ ثقف، سريع الأخذ لأقرانه، قال الشاعر :
فإمّا تثقفوني فاقتلوني | فمن أثقفْ فليس إلى خلود |
﴿ والفتنة ﴾ : الفتنة : الابتلاء والاختبار، وأصلها من الفتن وهو إدخالُ الذهب النارَ لتظهر جودته من رداءته.
قال الأزهري : جماع معنى الفتنة : الابتلاء والامتحان، والاختبار، مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميزّ الرديء من الجيد.
والمعنى : إيذاء المؤمن بالتعذيب والتشريد، بقصد أن يتركوا دينهم ويرجعوا كفاراً، أعظم جرماً عند الله من القتل. وقال ابن عباس : الشرك أعظم من القتل في الحرم.
﴿ والحرمات قِصَاصٌ ﴾ : الحُرُمات جمع حُرْمة، كالظُلمات جمع ظلمة، والحُرْمة كل ما منع الشرع من انتهاكه، وإنما جمعت لأنه أراد حرمة الشهر الحرام، وحرمة البلد الحرام، وحرمة الإحرام، والقصاصُ : المساواة والمماثلة وقد تقدم.
والمعنى : إذا انتهكوا حرمة الشهر فقاتلوكم فيه فقاتلوهم أنتم أيضاًَ ولا تتحرجوا. قال الزجاج : أعلم الله المسلمين أنه ليس لهم أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء، بل على سبيل القصاص.
﴿ التهلكة ﴾ : التهلُكة بضم اللام بمعنى الهلاك، يقال : هلكَ يهلك هلاكاً وتهلُكةً.
قال أبو عبيدة : التهلكةُ، والهَلاَك، والهُلْك واحد، مصدر هلك.
وفي اللسان : التهلكةُ : الهلاكُ، وقيل : كلّ شيء تصير عاقبته إلى الهلاك.
﴿ المحسنين ﴾ : جمع محسن وهو الذي ينفع غيره بنفعٍ حسنٍ، أو يحسن عمله بفعل ما يرضي الله تعالى.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : قاتلوا - أيها المؤمنون - في سبيل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه الذين يقاتلونكم من الكفار، ولا تعتدوا بقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، ممن لا قدرة لهم على القتال، فإن الله يكره البغي والعدوان أيّاً كان مصدره.
واقتلوهم أينما أدركتموهم وصادفتموهم، ولا يصدّنكم عنهم أنكم في أرض الحرم، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة بلدكم الأصلي، الذي أخرجوكم منه ظلماً وعدواناً، والفتنة للمؤمنين وإيذاؤهم بالتعذيب والتشريد، والإخراج من الوطن، والمصادرة للمال، أشد قبحاً من القتل ولا تقاتلوهم - أيها المؤمنون - عند المسجد الحرام، حتى يبدؤوكم بالقتال، فإن قاتلوكم فاقتلوهم ولا تستسلموا لهم، فالبادئ هو الظالم، والمدافع غير آم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا عن عدوانهم فإن الله غفور رحيم.