والواحدي كان يَغلب عليه شيء من منهج أهل الكلام، وشيء من الخوض في تفسير الآيات من جهة اللغة بمجردها، وسبق التنبيه على أنه لا ينبغي أن يفسر القرآن بمجرد اللغة، فإنه ليس كلُّ ما ساغ لغة ساغ تفسيراً، كما أن عليه مؤاخذات من جهة اتباعه لبعض أقوال أهل البدع، وتقصيراً في اتباع كلام السلف والوارد في المأثور عنهم في تفسير القرآن الكريم.
(٨٨) البغوي هو أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء الشافعي توفي سنة (٥١٦هـ): له كتاب في التفسير، اسمه "معالم التنزيل"، وهو مطبوع، وهو مختصر عن تفسير الثعلبي، أخذ أحسن ما عند الثعلبي ونقَّح عبارته واهتم بالمأثور، وكان في جملته سليماً بعيداً عن أقوال أهل البدع، وكان الشيخ ابن باز - رحمه الله - إذا سُئل عن تفسير أقرب وأيسر من تفسير ابن كثير يحيل على تفسير البغوي، فكان يحيل الطلاب كثيراً على تفسير ابن كثير، فإذا استصعب الطالب تفسير ابن كثير؛ أحاله على تفسير البغوي، ويصِفُه شيخ الإسلام بقوله :( تفسيره مختصر عن الثعلبي )، وهذا أكده الذين اشتغلوا بتحقيق كتاب الثعلبي، لكن صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة، ومفتاح هذا التفسير: مقدمته، فذكر في المقدمة أسانيده في الآثار التي أوردها داخل الكتاب، كتفسير ابن عباس وتفسير مجاهد، ذكر أسانيده إليها، كما ذكر أسانيده في القراءات التي أوردها.
وكلام شيخ الإسلام عن الثعلبي، وعن الواحدي، وعن البغوي؛ يندرج تحت علم جديد صار يُدَرَّس الآن اسمه :(مناهج المفسرين)، والكتب المؤلفة فيه تحمل في الغالب اسم (التفسير والمفسرون)، أو (مناهج المفسرين)، وأشهرها كتاب التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبي، وكتاب التفسير ورجاله لابن عاشور، فيُعرِّفون بالمفسر، ثم بتفسيره ويَدْرُسونه ويعطونك خلاصة عن منهجه وطريقته في تفسير القرآن ومزاياه والمآخذ عليه.
وشيخ الإسلام بكلامه هذا فتح الباب في هذا الموضوع بالكلام عن مناهج المفسرين.