وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ :" الْوَحْيُ " الْإِعْلَامُ، أَوْ قِيلَ: ؟أَوْحَيْنَا إلَيْكَ؟ أَنْزَلْنَا إلَيْك أَوْ قِيلَ : ؟وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ؟ أَيْ أَعْلَمْنَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا كُلُّهُ تَقْرِيبٌ لَا تَحْقِيقٌ، فَإِنَّ الْوَحْيَ هُوَ إعْلَامٌ سَرِيعٌ خَفِيٌّ، وَالْقَضَاءُ إلَيْهِمْ أَخَصُّ مِنْ الْإِعْلَامِ فَإِنَّ فِيهِ إنْزَالًا إلَيْهِمْ وَإِيحَاءً إلَيْهِمْ(٤٥).
وَالْعَرَبُ تُضَمِّنُ الْفِعْلَ مَعْنَى الْفِعْلِ وَتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْحُرُوفِ تَقُومُ مَقَامَ بَعْضٍ كَمَا يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ : ؟لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ؟ أَيْ مَعَ نِعَاجِهِ و ؟مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ؟ أَيْ مَعَ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ(٤٦).
وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ مِنْ التَّضْمِينِ فَسُؤَالُ النَّعْجَةِ يَتَضَمَّنُ جَمْعَهَا وَضَمَّهَا إلَى نِعَاجِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ؟وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ؟ضُمِّنَ مَعْنَى يُزِيغُونَك وَيَصُدُّونَك(٤٧).
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ؟وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا؟ ضُمِّنَ مَعْنَى نَجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ(٤٨). وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ؟يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ؟ ضُمِّنَ يُرْوَى بِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ(٤٩).
وَمَنْ قَالَ: "لَا رَيْبَ لَا شَكَّ" فَهَذَا تَقْرِيبٌ، وَإِلَّا فَالرَّيْبُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَرَكَةٌ(٥٠)، كَمَا قَالَ :"دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ: "مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فَقَالَ: لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ"(٥١)، فَكَمَا أَنَّ الْيَقِينَ ضُمِّنَ السُّكُونَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فَالرَّيْبُ ضِدُّهُ ضُمِّنَ الِاضْطِرَابَ وَالْحَرَكَةَ.


الصفحة التالية
Icon