يعني المؤلف (١) بهذا الكلام أن تأليفه للكتاب له سبب، وسببه سؤال بعض الإخوان أن يكتب له في هذا الموضوع، والتأليف قد يكون ابتدائيا من المؤلف، حين يرى حاجة الناس إلي موضوع معين، فيكتب فيه، وقد يكون له سبب مثل سؤال بعض الناس له أن يكتب في هذا الموضوع المعين، فالأول يكون مسؤولاً بلسان الحال، والثاني يكون مسؤولاً بلسان المقال.
فإن العالم إذا رأى الناس محتاجين إلي شيء وألفَ فيه، فإن حال الناس تستدعي أن يبين لهم هذا الأمر الذي وقعوا فيه، حتى يعرفوا حكمه، ويتعبدوا لله فيه على بصيرة، وكذلك قد يسأل عن أمر معين.
يقول المؤلف: (قواعد كليه)، القواعد جمع قاعدة، وهي أساس الشيء، ومنها قواعد البيت أي أساساته، فهي الأساسات التي تعين على فهم القرآن، وحينئذ نعرف أن هذه القواعد قواعد في التفسير؛ لتفسير القرآن، لأن فهم القرآن أحد الأمور الثلاثة التي قصدت بإنزال القرآن.
فالقرآن الكريم نزل لأمور ثلاثة: التعبد بتلاوته، وفهم معانيه والعمل به، ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم- لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها، وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
أما لفظ القرآن فلا يكاد يشكل على أحد، أو يعسر عليه؛ لأنه يقرؤه العامي والعالم والمتعلم، وأما فهمه فهو الذي يحتاج إلي تعلم وتفكر وتدبر، وأما العمل به فهو أشد على النفوس وأعظم؛ لأن النفس تحتاج إلي مجاهدة في إلزامها بما تقتضيه الحال؛ من تصديق الخبر، وامتثال الأمر، واجتناب النهي. وتأمل قوله تعالي: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (صّ: ٢٩) حتى يتبين لك أنه لا بد من فهم القرآن، ولابد من العمل به.
وقول المؤلف رحمه الله في هذا المقام: ( ومعرفة تفسيره ومعانيه) كل هذا من باب عطف التفسير أو عطف المترداف، كقول الشاعر:
فألفى قولها كذباً ومينا