قال تعالي: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا )، والمراد بالذين اصطفى الله من عباده هذه الأمة الإسلامية ؛ لأن آخر كتاب نزل هو هذا القرآن.
* * *
فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للمحرمات والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات فالمقتصدون هم أصحاب اليمين، والسابقون السابقون أولئك المقربون.
ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار.
أو يقول: السابق والمقتصد والظالم قد ذكرهم في آخر سورة البقرة، فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع، والناس في الأموال إما محسن، وإما عادل وإما ظالم. فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات، والظالم آكل الربا أو مانع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة ولا يأكل الربا وأمثال هذه الأقاويل.
فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية إنما ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق.
الشرح
صحيح هذا هو الغالب أن التعريف بالمثال أبين وأظهر من التعريف بالحد المطابق، فمثلاً لو قال لك قائل ما البعير؟ فقلت حيوان كبير الجسم، طويل العنق، ذو سنام، له ذيل قصير وما أشبه ذلك من صفاته، فلن يعرفه، حتى لو رآه ربما يشك فيه لعله يكون هناك شيء آخر يشابهه، لكن إذا قلت مثال البعير هذا اتضح، والإيضاح بالمثال أكثر وضوحاً.