وقد تنازع العلماء في قول الصاحب: (( نزلت هذه الآية في كذا)) هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله، أو يجرى مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند، فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله في المسند، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح، كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سبباً نزلت عقبه فإنهم يدخلون مثل هذا في المسند.
الشرح
قول الصاحب: (( نزلت في كذا)) إذا أجريناه مجرى المسند صار معناه أن الأمر حدث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فنزلت الآية تفسيراً له، أو بياناً لحكمه، وأما إذا جعلناه ليس جارياً مجري المسند، صار ذلك تفسيراً منه للآية، وقد يكون صواباً وقد يخالفه غيره.
* * *
فإذا عرف هذا فقول أحدهم: (( نزلت في كذا)) لا ينافي قول الآخر :(( نزلت قي كذا)) إذا كان اللفظ يتناولهما كما ذكرناه في التفسير بالمثال. وإذا ذكر أحدهم لها سبباً نزلت لأجله، وذكر الآخر سبباً، فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب، أو تكون نزلت مرتين مرة لهذا السبب، ومرة لهذا السبب.
الشرح
ولكن الأول أقرب، إذا ذكر كل واحد منهما سبباً لنزول الآية بلفظ صريح أو بلفظ ظاهر على حسب ما شرحناه، فهل نقول: إن السبب متعدد والمسبب واحد؟ أو نقول: إن السبب متعدد والمسبب متعدد وأن الآية صار لنزولها سببان؟ والأقرب الأول؛ لأن تكرر نزول الآية خلاف الأصل، فالأصل أن الآية إذا نزلت، نزلت مرة واحدة، فتكون الأسباب سابقة على نزول الآية، يعني معناه وجد سبب وسبب وسبب، ثم أنزل الله الآية مبينة لحكم هذه الأمور. مع أنه نادر أن تنزل الآية مرتين وهذا إن صح.


الصفحة التالية
Icon