يقول تعالي: (ذو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) (٦)(وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى) (٧)(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) (٨)(فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)(٩) (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) (لنجم: ٦-١٠)، الضمير في (( دنا)) يعود على جبريل، وفي قوله: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) الضمير يعود على الله. وهذا هو الصحيح من أقوال المفسرين، وبعضهم قال: إن الضمائر واحدة لله.
وعلى هذا القول يكون تعالي دنا دنوا يليق بجلالة عز وجل، مثل ما قال: (( يدنو ربنا عز وجل إلي السماء الدنيا…الحديث)) (١١).
(فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) متعلقة بدنا، ويصح أن نقول: دنو الله قاب قوسين مثل ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (( إن الذي تدعون هو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) (١٢).
(أَوْ أَدْنَى) (( أو)) هذه معناها عند المفسرين، بمعني بل، أو للتحقيق، كقوله: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات: ١٤٧)، أي: بل يزيدون. وبعضهم قال: إن (( أو)) هذه لتحقيق ما سبق كأنه يقول: إن لم يزيدوا لم ينقصوا، كما تقول عندي ألف درهم أو أكثر، فإن الناس يفهمون من المعنى أن الذي عندك لا ينقص عن ألف درهم؛ بل إما أن يزيد أو يكن بقدره.
* * *
وكلفظ الفجر، والشفع، والوتر، وليال عشر، وما أشبه ذلك. فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك.
فالأول: إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، إذ قد جوز ذلك أكثر فقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام، وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.
الشرح