ومن قال: (( لا ريب)) لا شك) فهذا تقريب. وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة كما قال: (( دع ما يريبك إلي ما لا يريبك)) (١٧) وفي الحديث: أنه مر بظبي حاقف فقال: (( لا يريبه أحد)) (١٨)، فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة، فالريب ضده(( ضمن الاضطراب والحركة)) لفظ الشك وإن قيل : إنه يستلزم هذا المعنى لكن لفظه لا يدل عليه. وكذلك إذا قيل: ( ذلك الْكِتَاب)(البقرة: ٢) هذا القرآن فهذا تقريب؛ لأن المشار إليه وإن كان واحداً، فالإشارة بجهة الحضور غير الإشارة بجهة البعد والغيبة، ولفظ (( الكتاب)) يتضمن من كونه مكتوباً مضموماً ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءا مظهراً باديا. فهذه الفروق موجودة في القرآن.
الشرح
أفادنا المؤلف رحمه الله في هذا الكلام أن العلماء قد يفسرون اللفظ بما يقاربه لا بما يطابقه، تقريباً للأذهان فمثلاً، (ذَلِكَ الْكِتَاب) إذا قال أي: هذا القرآن فهذا التفسير تقريبي، لأن إبداله ذلك بهذا يختلف به المعنى، فالإشارة بالبعد تتضمن من المعنى ما لا تتضمنه الإشارة بالقرب، والكتاب يتضمن ما لا يتضمنه القرآن، من كون الكتاب مجموعاً، وهذا معني قول المؤلف مضموناً، فإن الكتاب من الكتب بمعنى الجمع، ومنه الكتيبة لجماعة الخيل؛ لأنها مجتمعة.
* * *
فإذا قال أحدهم: (( أن تبسل)) أي: تحبس، وقال الآخر، ترتهن ونحو ذلك لم يكن من اختلاف التضاد، وإن كان المحبوس قد يكون مرتهنا وقد لا يكون، إذ هذا تقريب للمعنى، كما تقدم.
وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً؛ لأن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين.
الشرح