فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات وقد علم أن المخبرين لهم يتواطؤوا على اختلافه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد، علم أنه صحيح، مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل القوال والأفعال، فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة، فإنه لو كان كل منهما كذب بها عمداً أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه، فإن الرجل قد يتفق أن ينظم بيتاً وينظم الآخر مثله، أو يكذب كذبة ويكذب الآخر مثلها، أما إذا أنشأ قصيدة طويلة ذات فنون على قافية وروى فلم تجر العادة بأن غيره ينشئ مثلها لفظاً ومعنى مع الطول المفرط، بل يعلم بالعادة أنه أخذها منه، وكذلك إذا حدث حديثاً طويلاً فيه فنون وحدث آخر بمثله، فإنه إما أن يكون واطأه عليه أو أخذه منه أو يكون الحديث صدقاً، وبهذه الطريق يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات، وإن لم يكن أحدها كافياً إما لإرساله وإما لضعف ناقله.
الشرح


الصفحة التالية
Icon