والمقصود أن الحديث إذا روي مثلاً من وجهين مختلفين من غير مواطأة امتنع عليه أن يكون غلطاً كما امتنع أن يكون كذباً، فإن الغلط لا يكون في قصة طويلة متنوعة وإنما يكون في بعضها، فإذا روى هذا قصة طويلة متنوعة، ورواها الآخر مثلما رواها الأول من غير مواطأة امتنع الغلط في جميعها، كما امتنع الكذب في جميعها من غير مواطأة، ولهذا إنما يقع في مثل ذلك غلط في بعض ما جرى في القصة مثل حديث اشتراء النبي صلي الله عليه وسلم البعير من جابر فإن من تأمل طرقه علم قطعاً أن الحديث صحيح (٥٠)، وإن كانوا قد اختلفوا في مقدار الثمن.
الشرح
وهذا هو الذي قلناه قبل قليل. إذا كان في القصة شيء من الدقائق فلا يكفي هذا النقل بل لا بد من طريق آخر يثبت به.
* * *
وقد بين ذلك البخاري في صحيحه، فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يقطع بأن النبي ﷺ قاله؛ لأن غالبه من هذا النحو. ولأنه قد تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق. والأمة لا تجتمع على خطأ، فلو كان الحديث كذباً في نفس الأمر والأمة مصدقة له قابلة له: لكانوا قد أجمعوا على تصديق ما هو في نفس الأمر كذب. وهذا إجماع على الخطأ وذلك ممتنع، وإن كنا نحن بدون الإجماع نجوز الخطأ أو الكذب على الخبر فهو كتجويزنا قبل أن نعلم الإجماع على العلم الذي ثبت بظاهر أو قياس ظني أن يكون الحق في الباطل بخلاف ما اعتقدناه، فإذا اجمعوا على الحكم جزمنا بأن الحكم ثابت باطناً وظاهراً.
الشرح
وهذا واضح، فأحياناً يمر عليك الحديث وتعلم أن معناه كذا وكذا، لكن فيه احتمال أن يكون خلاف ذلك، بأن يكون معناه الباطن-الذي هو خلاف الظاهر- على خلاف ما فهمت، فإذا انعقد الإجماع على ما يقتضيه ظاهر الحديث علمنا بأنه لا يحتمل المعنى الباطن الذي نقدره في أذهاننا، لأن الأمة لا تجتمع على خطأ.