ولهذا عبد الله بن لهيعة يكثر الإمام أحمد من الرواية عنه في المسند كثيراً جداً لكن عبد الله بن لهيعة هذا من علم أنه سمع منه قبل احتراق كتبه كان حجة، ومن علم أنه سمع منه بعد ذلك كان مشكوكاً فيه وغير موثوق به؛ لأنه رحمه الله اختلفت حاله بعد احتراق كتبه، وإذا شككنا هل هو ممن سمع منه قبل أو بعد ؛ فإننا نتوقف فيه بدون أن نرجح، لكن القسم الثاني نرجح أنه خطأ.
* * *
وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ، فإنهم أيضاً يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم غلطه فيها بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا: (( علم علل الحديث) وهو من أشرف علومهم، بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط وغلط فيه، وغلطه فيه عرف، إما بسبب ظاهر؛ كما عرفوا أن النبي صلي الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال (٥٣) وأنه صلى في البيت ركعتين (٥٤) وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها وهو محرم (٥٤)، ولكونه لم يصل مما وقع فيه الغلط، وكذلك أنه اعتمر أربع عمر (٥٥) وعلموا أن قول ابن عمر: إنه اعتمر في رجب مما وقع فيه الغلط.
الشرح
إذا مع أن هؤلاء كلهم ثقات لكن الغلط لا يسلم منه أحد، وعلى هذا فالنبي صلي الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال؛ لأنها هي بنفسها قالت: إنه تزوجها وهو حلال، وكذلك قال ابو رافع وهو السفير بينهما: إنه تزوجها وهو حلال، وأما صلاته في البيت يعني: في الكعبة فهذا لا شك فيه ثابت، ونفي ابن عباس له يحمل على أنه نفى علمه به، وأما رواية أنه أعتمر أربع عمر فهو ثابت أيضاً.
فالنبي صلي الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات؛ العمرة الأولي : عمرة الحديبية، والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة: العمرة التي كانت مع حجه، فإنه كان قارناً، فهذه أربع عمر، ولم يعتمر النبي عليه الصلاة والسلام سواها أبداً، فقول ابن عمر: إنه اعتمر في رجب هذا مما وهم فيه رضي الله عنه.
* * *