فبعض الناس يأخذ القرآن والحديث ويفسره بحسب ما يقتضيه ذلك اللفظ الظاهر بقطع النظر عن المتكلم به والمخاطب والمنزل عليه وقرائن الأحوال، وهذا خطأ.
* * *
فالأولون راعوا المعنى الذي من غير نظر إلي ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز أن يريد به عندهم العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به والسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيراً ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعني في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم، كما أن الأولين كثيراً ما يغلطون في صحة المعني على الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلي المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلي اللفظ أسبق.
الشرح
ولكن الواجب على الإنسان أن ينظر إلى اللفظ وينظر إلى قرائنه المحيطة به، من حال المتكلم به والمخاطب والمنزل عليه وما أشبه ذلك، وهذا شيء معروف لكل أحد؛ بل إن الكلام يختلف حتى في نبرات المتكلم، فلو تكلم مثلاً بعنف واحمرار عين وانتفاخ أوداج وانتشار شعر فليس كمن تكلم بهدوء، تجد الأول كأنما يرمي بشرر والثاني ليس كذلك.
فالشيخ رحمه الله هنا جعلهم على قسمين: قسم ينظرون إلى المعنى لكن يحاولون أن يجعلوه على ما يريدونه هم، وقسم ينظرون إلي اللفظ فقط، ليس عندهم اعتقاد سابق لكن ينظرون إلى مجرد اللفظ بقطع النظر عن الأحوال والقرائن. فهؤلاء ينظرون إلي المعنى وهؤلاء ينظرون إلي اللفظ، ويقصد بالأولين الذين عندهم اعتقاد القسم الأول.
* * *
والأولون صنفان تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به. وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلاً فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حقا فيكون خطؤهم في الدليل لا في المدلول، وهذا كما أنه وقع في تفسير القرآن فإنه وقع أيضاً في تفسير الحديث.


الصفحة التالية
Icon