وقوله: ((والصراط المستقيم)) الصراط معناه الطريق، والمستقيم معناه المعتدل الذي ليس فيه ميل.
وقوله: (( والذي لا تزيغ به الأهواء)) الزيغ: معناه الميل، ومنه: زاغت الشمس إذا مالت، يعني أن أهواء الناس مهما عظمت لا يمكن أن تزيغ به، بل إنه باق ثابت مهما سلط الناس عليه من الأهواء فإنها لا تزيغ به لأنه هدى.
وقوله: (( ولا تلتبس به الألسن)) تلتبس: أي تختلط، لأنه بلسان عربي مبين فلا يمكن أن تختلط به الألسن، ولهذا حتى الإنسان الأعجمي لو قرأه يقرؤه بلسان عربي، ولهذا كان من غير الممكن أن يترجم القرآن ترجمة حرفية أبداً.
وقوله: (( ولا يخلق من كثرة الترديد)) معني يخلق: أي يبلى، فهو على جدته، مهما كرره الإنسان فكأنه لم يقرأه من قبل، لكن الإنسان إذا كرر أبلغ قصيدة من قصائد العرب- من المعلقات السبع أو غيرها- أو كرر أبلغ خطبة خطبها الخطباء كما يكرر القرآن لمل وسئم، لكن من القرآن ما نقرؤه في الصلاة الواحدة أكثر من مرة ومع ذلك لا نمل، وهذه من آيات الله عز وجل في هذا القرآن الكريم.
وقوله: (( ولا تنقضي عجائبه)) لا تنقضي عجائبه لمن أعطاه الله تعالي فهماً لكتابه، فإنه يتذوق فيه المعاني العظيمة الكثيرة، أما المعرض عنه فإنه قد لا يرى فيه عجباً واحداً، لكننا هنا نصف القرآن من حيث هو قرآن، بقطع النظر عن القارئ.
* * *
ولا يشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي صراط مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.
الشرح
كل هذه الأوصاف حق يعرفها المتأمل، فإن العلماء لا يشبعون منه، وكلما كان الإنسان بالله أعلم وبشرعه أعلم كان لكتابه أحب، فتجده دائماً يفكر ويتدبر هذا القرآن، سواء كان في مجلس العلم، أو وهو يمشي، أو في أي مكان، فالإنسان لا يشبع منه أبداً.