﴿وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ﴾ ١.
وخبر المبتدأ حمى صفوه إلى آخر البيت، وتقدير الكلام فيه وإسكان ويتقه على حذف مضاف أي أسكن هاءه أبو بكر وأبو عمرو وخلاد عن حمزة بخلاف عنه، فنقص من الرمز المذكور في البيت السابق راوٍ وهو خلف، وزاد في فألقه راوٍ وهو حفص.
ومعنى حمى صفوه: أي صفو إسكانه قوم بخلف: أي حماه جماعة بحجج مختلفة وهي خمسة أوجه سبق ذكرها، ومعنى أنهل سقاه: النهل وهو الشرب الأول، وحسن استعارة النهل بعد ذكر الصفو أشار بذلك إلى أنهم قاموا في نصرة الإسكان بما انشرحت له الصدور، فهذا معنى ظاهر هذا الكلام، والمراد بباطنه رمز القراء، وقوله: بخلف ليس رمزا، وكذلك كل ما جاء منه نحو بخلفه بخلفهما بخلفهم؛ لأن المراد منه أن القارئ المذكور قبلها اختلفت الرواية عنه فكأنه من تتمة ذكره، وأفرد الضمير في أنهل ردا على لفظ قوم، ويجوز أن يكون الضمير فيه ليتقه، أي روى هذا الحرف القوم الذين حموه لما استنبطوا من المعاني والفوائد أو يعود على الصفو وهو أليق أي حموه مما يكدره؛ حفظا له بحاجتهم إليه فأنهلهم ورواهم، ثم بين قراءة حفص لهذه الكلمة فقال:
١٦٢-

وَقُلْ بسُكُونِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ حَفْصُهُمْ وَيَأْتِهْ لَدَى طه بِالِاِسْكَانِ [يُـ]ـجْتَلا
أي قراءة حفصهم، فحذف المضاف؛ يعني أن حفصا يسكن القاف ويحرك الهاء بالكسر من غير صلة، وهذا معنى القصر وهو ترك الصلة؛ لأنها مد، وأسكن القاف؛ لأنها صارت آخر الفعل بعد حذف الياء للجزم، وقيل: أجرى "يتقه" مجرى "كتف" فأسن الوسط تخفيفا، وأنشد:
فبات منتصبا وما تكردسا
فلما سكنت القاف ذهبت صلة الهاء؛ لأن أصل حفص أن لا يصل الهاء التي قبلها ساكن إلا في قوله تعالى: ﴿فِيهِ مُهَانًا﴾، وبقيت كسرة الهاء أمارة على عروض الإسكان في القاف والأصل كسرها، ولولا هذا المعنى لوجب ضم الهاء؛ لأن الساكن قبلها غير ياء فهو مثل: منه وعنه، وقيل: كانت الهاء ساكنة في قراءة حفص، كما أسكنها في "فألقه" فلما أسكن القاف كسر الهاء لالتقاء الساكنين، وهذا ضعيف؛ إذ لا مقتضى لإسكان القاف على تقدير سكون الهاء، ولأن كسر القاف وسكون الهاء أخف من العكس فلا معنى للعدول عنه:
وأما قوله: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا﴾ ٢ في سورة طه؛ فلم يذكر الإسكان فيه إلا عن السوسي تبعا لصاحب التيسير، وذكره الأهوازي عن ابن عامر وعاصم وأبي عمرو وحمزة رحمهم الله تعالى، ومعنى يجتلا ينظر إليه بارزا غير مستتر من قولهم: اجتليت العروس يشير إلى أن الإسكان محكي مسطور في الكتب فلا ينفى لعدم ذكر بعض المصنفين له كابن الفحام في تجريده وغيره، وقوله: لدى طه أي عندها، وفي أثناء آياتها وسمى سورة هذا الحرف زيادة في البيان لا للتمييز إذ ليس غيره.
١ سورة النور، آية: ٥٢.
٢ سورة طه، آية: ٧٥.


الصفحة التالية
Icon