وأجيب بأنه يلزمه أيضا في مذهبه أن تكون ياء مضمومة بعد كسرة وواو مكسورة بعد ضمة، وذلك مطرح الاستعمال حقيقة، وما اختاره سيبويه يشبه ما اطرح استعماله فما ذكره أفظع، وأما إلزامه المفتوحة فلأن إبدالها لا يؤدي إلى ما اطرح استعماله بخلاف ما ذكره.
ثم قال: ومن حكى فيهما أي في المضمومة بعد كسر، والمكسورة بعد ضم أن تجعل المضمومة كالياء والمكسورة كالواو أي تسهل كل واحدة منها بينها وبين حرف من جنس حركة ما قبلها لا من جنس حركتها؛ ليسلم من الاعتراضين الواردين على مذهب سيبويه والأخفش، فمن حكى ذلك أعضل، قال الشيخ: أي أتى بعضلة، وهي الأمر الشاق؛ لأنه جعل همزة بين بين مخففة بينها وبين الحرف الذي منه حركة ما قبلها.
قلت: وهذا الوجه مذكور في كتاب الكشف لأبي محمد مكي بن أبي طالب وغيره عن الأخفش، ويقوى في مواضع توافق خط المصحف الكريم كالوقف على: "لؤلؤ" المخفوض بروم الحركة؛ لأنه يجعلها بين الهمزة والواو وذلك موافق للخط، وعلى رأي سيبويه تصير بين الهمزة والياء فتخالف الخط فيوقفه بلا روم ليجد قبلها واوًا فيوافق الرسم، نص عليه مكي، وقد تقدم مثل هذين الوجهين المحكيين عن الأخفش في مذهب الفراء في نحو: ﴿يَشَاءُ إِلَى﴾ ١؛ أكثرهم أبدل الثانية واوا وبعضهم جعلها بين الهمزة المكسورة والواو، وقد غلط بعض الجهال؛ لسوء فهمه فظن أن من سهل الهمزة بينها وبين الحرف الذي من جنس حركة ما قبلها قدر أن الحركة تكون على الهمزة من جنس حركة الحرف قبلها ففي: ﴿تُنَبِّئُهُمْ﴾، ٢ و ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ تسهل بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة وفي نحو: "سئل" و"يشاء إلى" تسهل بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة وهذا جهل مفرط وغلط بيِّن، ولولا أني سمعته من قائله لما صدقت أن أحدا يقوله؛ فإن الهمزة محركة والحاجة داعية إلى تسهيلها، وذلك ممكن مع بقائها على حركتها فأي حاجة إلى تغير حركتها وتختل في وزنها ولفظها، وإنما لما احتيج إلى الحرف الذي يسهل إليه قال أهل المذهب الصحيح: يكون الحرف من جنس حركتها فهو أقرب إليها، وقال قوم: يجعل الحرف من جنس حركة ما قبلها كما لو كانت الهمزة ساكنة والفرق أن الساكنة لما لم تكن لها حركة اضطررنا إلى إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها؛ إذ لم يكن اعتبارها بنفسها وفيما ذكرناه لها حركة فاعتبارها بها أولى، وهذا واضح لمن تأمله والله أعلم.
ويقال: قد أعضل الأمر: أي اشتد وغلظ واستغلق، وأمر معضل: لا يهتدى لوجهه والله أعلم.
٢ سورة التوبة، آية: ٦٤.