﴿يَرَهُ﴾، للروم أي مذهب القراء أن لا روم في المفتوح والمنصوب، قالوا: لأن الفتحة خفيفة فإذا خرج بعضها خرج سائرها؛ لأنها لا تقبل التبعيض كما تقبله الضمة والكسرة؛ لما فيهما من الثقل، ولأن المنصوب المنون لما تبينت فيه الفتحة؛ لإبدال التنوين فيه ألفا لم يرم الباقي؛ لأن لا يبقى ذلك على التقريب من لفظه وقال مكي يجوز فيه الروم غير أن عادة القراء أن لا يروموا فيه، وأن يقفوا بالسكون للجميع وقال: وقد اختلف لفظ أبي الطيب -رحمه الله- تعالى في ذلك وبالإسكان قرأت عليه في المنصوب لجميع القراء، وأما أهل النحو فأجازوا الروم في الفتح كما في الكسر والضم من غير فرق، فقوله: إمام النحو: يحتمل أن يريد به أئمة النحو فهو لفظ مفرد أريد به الجنس، ويجوز أن يريد به المشهور فيهم المقتدى به منهم وهو سيبويه الذي كتابه قدوة هذا العلم، والضمير في "أعملا" للروم، وليست الألف للتثنية إنما هي للإطلاق فالإشمام لا مدخل له في حركة الفتح كما لا مدخل له في الكسر، وإنما يختص بحركة الضم؛ لأن حقيقته ضم الشفتين، وذلك لا يحصل به إلا الدلالة على الضم فقط، وقوله: في الكل يعني في الحركات كلها ولم يتعرض صاحب التيسير لبيان مذهب النحويين، قال سيبويه في كتابه: أما ما كان في موضع نصب أو جر فإنك تروم فيه الحركة فأما الإشمام فليس إليه سبيل.
٣٧١-

وَمَا نُوِّعَ التَّحْرِيكُ إِلاَّ لِلاَزِمٍ بِنَاءً وَإِعْرَابًا غَدَا مُتَنَقِّلا
هذا اعتذار منه عن كونه لفظ بستة أسماء للحركات وهن ثلاث فخاف من إشعار ذلك بتعدد الحركات فقال: ما نوعت التحريك وقسمته هذه الأقسام إلا لأعبر عن حركات الإعراب وحركات البناء؛ ليعلم أن حكمهما واحد في دخول الروم والإشمام، وفي المنع منهما أو من أحدهما، ولو اقتصر على ألقاب أحدهما لخيف أن يظن أن الآخر غير داخل في ذلك وحركة البناء توصف باللزوم؛ لأنها لا تتغير ما دام اللفظ بحاله فلهذا قال: للازم بناء أي ما نوعته إلا لأجل أنه منقسم إلى لازم البناء وإلى ذي إعراب غدا بذلك متنقلا من رفع إلى نصب إلى جر باعتبار ما تقتضيه العوامل المسلطة عليه فألقاب الإعراب رفع ونصب وجر، وربما قيل: وخفض، وألقاب البناء ضم وفتح وكسر، وقد ذكرها سيبويه في أول باب من كتابه واعتذر عن تعدد الأسماء، واتحاد المسمى في اللفظ بنحو من ذلك؛ فإن الرفع والضم لفظهما واحد وكذا النصب والفتح والجر والكسر، وكذا الذي آخره ساكن للإعراب يسمى جزما، والذي للبناء يسمى وقفا والله أعلم.
فمثال حركات البناء في القرآن: ﴿مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾، و ﴿مِنْ حَيْثُ﴾، و ﴿مَنْ عَادَ﴾، و ﴿هَؤُلاءِ﴾.
وحركات الإعراب نحو: ﴿قَالَ الْمَلَأُ﴾، و ﴿إِنَّ الْمَلَأَ﴾، و ﴿إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى﴾.
ونصب بناء في قوله للازم بناء على أنه مفعول للازم أو تمييز، والتقدير: وإن اختلفا فهما متفقان في المعنى؛ لأن الكلمة لزمت البناء والبناء لزم الكلمة إما مطلقا:


الصفحة التالية
Icon