مكانها وأنه صار معلوما؛ لاستفاضة استعمالها فيه وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال، ومنه حذف "لا" في: "تالله تفتؤ تذكر يوسف"١.
وحذف الجار في قوله: روبة خير إذا أصبح، وحمل قراءة حمزة: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" عليه سديد؛ لأن هذا الكلام قد شهر بتكرير الجار، فقامت الشهرة مقام الذكر، وقال في الكشاف: وينصره قراءة ابن مسعود: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ"٢.
قال الفراء: حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال: "والأرحامِ" خفض الأرحام قال: هو كقولهم أسألك بالله والرحمِ، قال: وفيه قبح؛ لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كني عنه، قال: وقال الشاعر في جوازه:
فعلق في مثل السواري سيوفنا | وما بينها واللعب غوط نفانف |
قال: وإنما يجوز هذا في الشعر؛ لضيقه، قال الزجاج: وقد جاء ذلك في الشعر أنشد سيبويه:
فاذهب فما بك والأيامِ من عجب
وقال العباس بن مرداس:أكر على الكتيبة لا أبالي | أحتفي كان فيها أم سواها |
وأنشده الحق في إعرابه لحسان بن ثابت فانظر بنا والحق كيف نوافقه والأبيات المتقدمة وزاد:
إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم | فقد خاب من يصلى بها وسعيرها |
ثم أخذ في الاستدلال على صحة ذلك وقوته من حيث النظر، وأصاب -رحمه الله- فإن الاستعمال قد وجد، وكل ما يذكر من أسباب المنع فموجود في الضمير المنصوب مثله، وقد أجازوا العطف عليه فالمجرور كذلك قياسا صحيحا، وقول أبي علي في الحجة هو ضعيف في القياس قليل في الاستعمال ممنوع، ولقائل أن يقول: العطف على الضمير المنصوب كذلك، فقال الشيخ في شرحه: حكى قطرب: ما فيها غيره وفرسه، وقال في شرح المفصل: وقد أجاز جماعة من النحويين الكوفيين أن يعطف على الضمير المجرور بغير إعادة الخافض، واستدلوا بقراءة حمزة وهي قراءة مجاهد والنخعي وقتادة وابن رزين ويحيى بن واب وطلحة والأعمش وأبي صالح وغيرهم، وإذا شاع هذا فلا بعد في أن يقال مثل ذلك في قوله تعالى:
﴿وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ؛ أي: وبحرمة المسجد الحرام، ولا حاجة أن يعطف على سبيل الله كما قاله أبو علي وغيره، ولا على الشهر الحرام كما قاله الفراء؛ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وإن كان لكل وجه صحيح والله أعلم، والوجه الثاني في تعليل قراءة الخفض في الأرحام أنها على القسم وجوابه إن الله كان عليكم رقيبا أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاء من مخلوقاته من نحو والتين والزيتون والعصر والضحى والليل إما بها أنفسها أو على إضمار خالقها -عز وجل- وهو كإقسامه بالصافات وما بعدها على أن إلهكم لواحد وهذا الوجه وإن كان لا مطعن عليه من جهة العربية فهو بعيد؛ لأن قراءة النصب وقراءة ابن مسعود بالياء