﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ ١؛ أي يتبع الحق فيما يفعل، والقراءة الأخرى من القضاء، والحق: نعت مصدر محذوف؛ أي: يقضي القضاء الحق أو مفعول به على إسقاط الخافض؛ أي: يقضي بالحق كما قال: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ ٢، وهو مفعول صريح على أن يقضي بمعنى يصنع الحق وتفعله، والياء منه محذوفة في الرسم باتفاق فلهذا احتمل القراءتين، ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص في أول البيت الآتي، فقال:
٦٤٣-

"نَـ"ـعَمْ "دُ"ونَ "إِ"لْبَاس، وذكر مُضْجِعًا تَوَفَّاهُ وَاسْتَهْوَاهُ حَمْزَةُ مُنْسِلا
ما أحسن ما عبر عن القراءتين في يقص: وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه، فقال بعده: نعم دون إلباس، قدر كأن سائلا سأل فقال: هل استوعبت قيود هاتين القراءتين؟ فقال: نعم من غير إلباس بل هو أمر واضح ظاهر، ووقع لي أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة، وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا فهو أسهل مما أتى فلو قال:
سبيل برفع خذ ويقض يقص صا د حرمي نصر إذ بلا ياءٍ انزلا
لحصل الغرض واجتمع في بيت واحد بيان اللفظين في القراءة ورمزها، وعرف بأن رسمها بلا ياء، ولكن فيما عبر به الناظم -رحمه الله- صناعة حسنة، وأسلوب غريب وأما: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ ٣، ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾ ٤.
فقرأهما حمزة: توفاه واستهواه والخلاف فيهما كالذي سبق في: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ﴾ ٥، في آل عمران؛ أي: ذكر حمزة لفظ هذا الفعل وأضجع ألفه؛ أي: أمالها على أصله، ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله، كما أنه في البيت الآتي لما ذكر الكوفيين قرءوا "أنجانا" في موضع "أنجيتنا" لم يتعرض للإمالة، وكان ذلك مفهوما من باها فحمزة والكسائي يميلان الألف وعاصم لا يميل على أصله، وضد تذكير الفعل تأنيثه وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره فيلزم حذف الألف من آخر الفعل؛ لسكونها، وقوله: منسلا ليس برمز؛ لأنه صرح باسم القارئ ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر، يقال: انسلت القوم إذا تقدمتهم وهو حال من حمزة والله أعلم.
٦٤٤-
مَعًا خُفيَةً فِي ضَمِّهِ كَسْرُ شُعْبَةٍ وَأَنْجَيْتَ لِلْكًوِفِيِّ أَنْجى تَحَوَّلا
١ سورة الكهف، آية: ٦٤.
٢ سورة غافر، آية: ٢٠.
٣ سورة الأنعام، آية: ٦١.
٤ سورة الأنعام، آية: ٧١.
٥ آية: ٣٩.


الصفحة التالية
Icon