ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به، وهي من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام في سورة النمل.
وأما في أوائل السور، ففيها اختلاف للعلماء قرائهم وفقهائهم قديما وحديثا في كل موضع رمست فيه من المصحف. والمختار أنها في تلك المواضع كلها من القرآن، فيلزم من ذلك قراءتها في مواضعها، ولها حكم غيرها من الجهر والإسرار في الصلاة وغيرها.
وقد أفردت لتقرير ذلك كتابا مبسوطا مستقلا بنفسه، ثم اختصرته في جزء لطيف بعون الله تعالى وحده.
١٠٠-

وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "بِـ"سُنَّةٍ "رِ"جَالٌ "نَـ"ـمَوْهاَ "دِ"رْيَةً وَتَحَمُّلاَ
البسملة تقع في قراءة القراء في ثلاثة مواضع، إذا ابتدءوا سورة أو جزءا وسيأتي الكلام فيهما، والثالث بين كل سورتين فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر والحاجة إلى معرفته أمسّ وفاعل بسمل قوله: رجال، وبسنة حال مقدمة أي آخذين أو متمسكين بسنة وهي كتابة الصحابة -رضي الله عنهم- لها في المصحف، وما روي من الآثار في ذلك أو تكون نعت مصدر محذوف أي بسملة ملتبسة بسنة منقولة ونموها أي نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- والضمير للبسملة أو للسنة والجملة صفة لرجال أو للسنة، ودرية وتحملا مصدران في موضع الحال من فاعل نموها أي ذوي درية وتحمل أي دارين متحملين لها أي جامعين بين الدرية والرواية، والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم في هذا البيت من قوله بسنة رجال نموها درية وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون؛ لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف.
قال أبو طاهر بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد: أولى القولين بالصواب عندي الفصل بين السورتين بالبسملة؛ لاتباع المصحف، وللحديث الذي يروي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اقرءوا ما في المصحف، ثم ذكر قول ابن عمر: فلم كُتِبت في المصحف إن لم تقرأ؟ قال أبو طاهر: ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم في المصحف من سائر آي القرآن؛ إذ كان رسمها في الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما، قال: وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائي وأهل الشام.
١٠١-
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "فَـ"ـصَاحَةٌ وَصِلْ وَاسْكُتَنْ "كُـ"ـلٌّ "جَـ"ـلاَيَاهُ "حَـ"ـصَّلاَ
بين في صدر هذا البيت قراءة حمزة -رضي الله عنه- ورمز له بقوله: فصاحة وبين في عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبي عمرو، ورمز لهم بقوله: كل جلاياه حصلا، وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به وفصاحة خبره، وإنما كان فصاحة؛ لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف؛ لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم وبيان همزة القطع والوصل كأول القارعة، و ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ ١.
١ سورة التكاثر؛ آية: ١.


الصفحة التالية
Icon