من سورة القيامة إلى سورة النبأ:
لا تعلُّق لسورة القيامة بما بعدها، فكان ينبغي إفرادها، ثم يقول: هل أتى، والمرسلات؛ لاتصالهما في نظمه والله أعلم.
١٠٩٢-

وَرَا بَرَق افْتَحْ "آ"مِنًا يَذَرُونَ مَعْ يُحِبُّونَ "حَقٌّ كَـ"ـفَّ يُمْنَى "عَـ"ـلا عَلا
يريد: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ ؛ أي: شخص وتحير قال الأخفش: المكسورة في كلام العرب أكثر والمفتوحة لغة، قال أبو عبيدة: القراءة عندنا بالكسر؛ لأنها اللغة السائرة المتعالية، والغيبة في: "يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ"، والخطاب فيهما ظاهران، ومعنى "آمنا"؛ أي: آمنا من البرق يوم القيامة أو آمنا من النازع فيه، وقوله: "حق" كف؛ لأن الحق أبدا يدفع الباطل؛ لأن في أول الجملة حرف الردع وهو "كلا" ومعناه الزجر والكف، أما تمنى فالضمير فيه للمنى إن قرئ بالياء على التذكير وإن قريء بالتأنيث فالضمير للنطفة كما أنه في سورة النجم كذلك، وهو: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾، ومعناه تُصب وتُراق في الرحم وعلا بالضم مفعول علا مقدم عليه أو هو خبره، "يُمْنَى"؛ أي: ذو علا؛ أي: عالٍ بالتذكير.
١٠٩٣-
سَلاسِلَ نَوِّنْ "إِ"ذْ رَوَوَا "صَـ"ـرْفَهُ "لَـ"ـنا وَبَالقَصْرِ قِفْ "مِـ"ـنْ "عَـ"ـنْ "هُـ"ـدىً خُلْفُهُمْ "فَـ"ـلا
سلاسل على وزن دراهم وهو ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة، ولكنه كتب في المصاحف بألف بعد اللام كما كتب في الأحزاب: "الظُّنُونَا"، و"الرَّسُولا"، و"السَّبِيلا" فالمتابعة لخط المصحف اقتضت إثبات تلك الألف في الأحزاب في الوصل، ولم يمكن تنوينها؛ لأجل أن كل كلمة منها فيها الألف واللام فالتنوين لا يجتمع معها، أما في: "سَلاسِلا" فأمكن قبوله للتنوين على لغة من يصرف ذلك.
قال أبو علي: قال أبو الحسن: "سَلاسِلا" منونة في الوصل والسكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب قال: وسمعنا من العرب من يصرف هذا ويصرف جميع ما لا ينصرف، وقال: هذا لغة الشعراء؛ لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك، وقال مكي: حكى الكسائي أن بعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك، قال ابن القشيري: صرف ما لا ينصرف سهل عند العرب، قال الكسائي: هو لغة من يجري الأسماء كلها إلا قولهم: هو أظرف منك؛ فإنهم لا يجرونه.
قلت: القرآن العربي فيه من جميع لغات العرب؛ لأنه أنزل عليهم كافة وأبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة فاختلفت القراءات فيه لذلك، فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف؛ فإنه بقي كقراءة: ﴿إِنْ هَذَانِ﴾ كما سبق ومثل هذا التنوين فإن كتابة الألف في آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين وقد بينا هذه القاعدة وقررناها في كتاب الأحرف السبعة الملقب بالمرشد الوجيز، وقد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام وعلة الجمع ضعيفة في اقتضاء منع الصرف بدليل صرف باقي أبنية الجموع،


الصفحة التالية
Icon