قال أبو محمد بن قتيبة في آخر غريب الحديث له في ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها: جاء في الحديث: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الحال المرتحل" قيل: ما الحال المرتحل؟ قال: الخاتم والمفتتح.
قال ابن قتيبة: الحال هو الخاتم للقرآن شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به كذلك تالي القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير قال: وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا في الجهاد وهو أن يغزو ويعقب وكذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا.
قلت: هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين.
أحدهما: حمل اللفظ على حقيقته فيكون التفسير الأول الذي ذكره ابن قتيبة في الحديث من كلام بعض الرواة وهو مفصول من الحديث ولهذا لم يكن في كتاب الترمذي إلا قوله: الحال المترحل من غير تفسير وكان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض فأجابه المسئول بما وقع له، وتقدير الحديث عمل الحال المرتحل وحذف المضاف؛ لدلالة السؤال عليه.
الوجه الثاني أن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة غير ذلك فإنه سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال فقال: "إيمان بالله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور".
وفي حديث آخر: "الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله".
وقال لأبي أمامة: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له"، وفي حديث آخر: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".
وإذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله: ثم جهاد في سبيله؛ أي: أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء؛ لأنه الأفضل؛ أي: هو من جملة الأفضل؛ أي: المجموع في الطبقة العليا التي لا طبقة أعلى منها وهذا المعنى قد قررناه في مواضع من كتبنا.
١١٢٦-
وَفِيهِ عَنِ الْمَكينَ تَكْبِيرُهُمْ مَعَ الْـ | ـخَوَاتِمِ قُرْبَ الْخَتْمِ يُرْوى مُسَلْسَلا |
وأنت امرؤ في الأشعرين مقاتل
وقول لقيط الإيادي:
زيد الفنا حين لا في الحارثين معا
كأنهما جمع أشعر وحارث وإنما هما جمع أشعري وحارثي.
وقد ذكرت هذين البيتين في ترجمة عامر بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وترجمة المهلب بن أبي صفرة في مختصري لتاريخ دمشق، وقوله: تكبيرهم؛ أي: تكبير المكيين؛ أي: وفي القرآن تكبير المكيين مع الخواتم