﴿فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ﴾، ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾، ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾، ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾، ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾، ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾، ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ﴾.
وقوله: دراكا أي متابعة وهو مصدر في موضع الحال أي صلة تابعا لما نقل، يقال دارك الرجل صوبه أي تابعه والدال رمز ابن كثير وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة، وجلا أي كشف؛ وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير، وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما أي يروى عن قالون الوجهان؛ الوصل وتركه، وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه، ويروى عن قالون مثل ورش، وعن ابن كثير مثل الجماعة:
١١٢-
وَمِنْ قَبْلِ هَمْزِ الْقَطْعِ صِلْهَا لِوَرْشِهِمْ | وَأَسْكَنَهاَ الْبَاقُونَ بَعْدُ لِتَكْمُلا |
كان يلزمه أن يذكر مع ورش ابن كثير وقالون؛ لئلا يظن أن هذا الموضع مختص بورش كما قال في باب الإمالة: رمى صحبة ولو قال: ومن قبل همز القطع وافق١ ورشهم لحصل الغرض.
ومعنى البيت: أن ورشا يقرأ مثل قراءة ابن كثير إذا كان بعد الميم همزة قطع، وهي التي تثبت في الوصل نحو:
﴿عَلَيْهِمْ﴾،
﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ﴾،
﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾،
﴿إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا﴾.
لكن ورشا يكون أطول مدًّا من ابن كثير على أصله وإنما خص ورش الصلة بما كان قبل همزة لحبه المد وإيثاره له ولهذا مد ما بعد الهمزة في وجه كما سيأتي، وأراد أيضا الجمع بين اللغتين، كما قال امرؤ القيس:
أمرخ خيامهمو أم عشر | أم القلب في إثرهم منحدر |
وخص ذلك؛ ليستعين بالمد على النطق بالهمز، قال أبو علي: كأنه أحب الأخذ باللغتين وكان المد قبل الهمزة مستحبًّا، واعتل له المهدوي وغيره بما يلزمه من نقل الحركة على أصله، ولو نقل إليها لتحركت بالضم والفتح والكسر، فآثر أن يحركها بحركتها الأصلية ولا تعتورها الحركات العارضة والهاء في صلها وأسكنها تعود على ميم الجمع، وإنما بين قراءة الباقين أنها بالإسكان؛ لئلا يظن أنها بترك الصلة ولا يلزم من ترك الصلة الإسكان؛ إذ ربما تبقى الميم مضمومة من غير صلة كما يفعل في هاء الكناية وهو المعبر عنه ثم بالقصر وسيأتي، ولم يقرأ بذلك في الميم؛ لقوتها واستغنائها عن الحركة، ولما كانت الهاء خفية ضعيفة قويت بالحركة تارة وبها وبالصلة أخرى، وقوله: بعد متعلق بالباقون أي الذين بقوا في ذكرى بعد ذكر من وصل ولا يجوز تعلقه بأسكنها؛ لأن من المسكنين من سبق الواصلين في الزمان كابن عامر إلا على تأويل ترتيب الذكر فيرجع إلى المعنى الأول ويجوز أن يتعلق بمحذوف ولتكملا أيضا متعلق به أي أعلمتك بقراءة الباقين بعد ما ذكرت قراءة الواصلين؛ لتكمل وجوه القراءة في ميم الجمع وإن علقنا بعد بالباقون كان لتكملا متعلقا بأسكنها، واللام للعاقبة؛ لأنهم لم يسكنوها لهذه العلة وإنما كانت العاقبة ذلك، ويجوز على هذا أن يتعلق اللام بصلها والواو في وأسكنها للحال أي صلها لورش في الحال التي أسكنها فيها الباقون؛ لتكمل وجوهها، وإسكان ميم الجمع هو اللغة الفصيحة الفاشية، وقد وافق من وصلها على ترك الصلة في الوقت، وكذا في هاء الكناية ولم ينبه الناظم على ذلك في البابين والله أعلم.