أن يبين مخرج فبين أولا الحروف التي تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهي التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة، وفي الحقيقة حرفان النون والميم؛ لأن التنوين نون حقيقة في المخرج والصفة وإنما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين في الوقف وفي صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل فلهذا يعتني الفراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين: وقد مضى في باب التكبير وما قبله من ساكن أو منون، أما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه في ذكره الحروف التي بين الشديدة والرخوة، ومنها حرف يجري معه الصوت؛ لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف؛ لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك: ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا؛ لخفتها وخفائها، وقال نصر بن علي الشيرازي: ومنها حروف الغنة وهي النون والميم سميتا بذلك؛ لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمائم والقمارى، وقوله: إن كن ولا إظهار بيان للحالة التي تصحب الغنة لهذه الأحرف؛ لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها، فقال: شرطها أن تكنَّ سواكن وأن تكنَّ مخفيات أو مدغمات إلا في موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف في ذلك على مضى شرحه في باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل في النون للسان وفي الميم للشفتين على ما سبق، وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار، ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو في شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة: هذه النون التي قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم، قال: وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم؛ ليصح إخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون في التحقيق، فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هي النون التي مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هي الأولى أيضا.
قلت: وحروف العربية الأصول هي التسعة والعشرون التي مر ذكر مخارجها ويتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجري مجرى اللغات منها ما هو فصيح ومنها ما هو مستحسن وهذا سنوضحه إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو ونبين هنا ما وقع من الفصيح في قراءة القراء وهي همزة بين بين التي تأتي على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف واختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها وقد تقدم بيان ذلك في شرح قوله: والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذي منه أشكلا ومنها الصاد التي كالزاي وهي التي مر ذكرها في قراءة حمزة في الصراط وأصدق والمصيطرون وبمصيطر وغير ذلك ومنها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين وقد مضى تحقيق ذلك في بابه ومنها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة وقد اتضح أمرها في شرح هذا البيت بتوفيق الله تعالى والله أعلم.
وقال مكي: أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لاحظ للجزء من اللسان فيه وهو نوعان التنوين والنون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد وقال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمي النون والميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة ولا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها.
قلت: وانقضى الكلام في المخارج، ثم ذكر مشهور الصفات فقال: