وهذا القسم إطلاق الإدغام عليه فيه مسامحة بخلاف النوعين المتقدمين، وسيأتي تحقيق ذلك في آخر باب إدغام المتقاربين، ثم ذكر ما استثني إدغامه من المثلين فقال:
١٢٠-
إِذَا لَمْ يَكُنْ تَا مُخْبِرٍ أَوْ مُخَاطَبٍ... أوِ الْمُكْتَسِي تنْوِينُهُ أَوْ مُثَقَّلا
الضمير في "يكن" عائد إلى قوله: ما كان أولا أي: إذا لم يكن ذلك الأول من المثلين تاء مخبر أي ضميرا هو تاء دالة على المتكلم أو يكن تاء مخاطب أو يكن الذي اكتسى تنوينه أي منونا، وأشار بذلك إلى أن نون التنوين كالحلية والزينة فلا ينبغي أن يعدم وقصر لفظ تا، وأسكن ياء المكتسي ضرورة وهما منصوبان خبرين لقوله: يكن، ولهذا نصب أو مثقلا وعلة استثناء المنون والمثقل ظاهرة، أما المنون فلأن التنوين حاجز بين المثلين وهو حرف صحيح معتد به في زنة الشعر، وتنقل إليه حركة الهمزة ويكسر لالتقاء الساكنين، وأما المثقل فيستحيل إدغامه بدون حذف أحد الحرفين من المشدد، وقد حكى بعضهم إدغامه على لغة تخفيف المشدد وحكى بعضهم إدغام: ﴿مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا﴾ ١. ولم يعتد بالتنوين لذهابه في الوقف وحكى بعضهم إدغام: ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ﴾ ٢. وفيه المانعان الخطاب والتشديد والعلة في استثناء تاء المخبر والمخاطب كونهما كناية عن الفاعل أو شبهه والإدغام تقريب من الحذف والفاعل لا يحذف نحو: ﴿كُنْتُ تُرَابًا﴾ ٣، ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو﴾ ٤.
وألحق بذلك التاء من أنت٥ تكره وشبهه ليكون الباب واحدا وذكر لذلك علل أخر هي في الشرح الكبير.
١٢١-
كَكُنْتُ تُرَاباً أَنتَ تُكْرِهُ وَاسِعٌ... عَلِيمٌ وَأَيْضاً تَمَّ مِيقاَتُ مُثِّلاَ
هذه أمثلة ما تقدم استثناؤه في البيت السابق على ترتيبه وقوله: وأيضا أي: أمثل النوع الرابع ولا أقتصر على تمثيل الأنواع الثلاثة وهو مصدر آض إذا رجع والضمير في مثّلا عائد على المذكورات أي مثل جميع المستثنى أو يكون عائدا على لفظ: ﴿تَمَّ مِيقَاتُ﴾ ٦. أي: وأيضا ثم ميقات مثل به كما مثل بالثلاثة الأول ومثله: ﴿مَسَّ سَقَرَ﴾ ٧، ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا﴾ ٨، ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ﴾ ٩.
٢ سورة الإسراء، آية: ٧٤.
٣ سورة النبأ، آية: ٤٠.
٤ سورة العنكبوت، آية: ٤٨.
٥ "قوله رحمه الله: وألحق بذلك التاء من أنت... " فيه إشارة إلى أن أنت ليست بضمير بالإجماع، وإنما الضمير "أن" اهـ.
٦ سورة الأعراف، آية: ١٤٣.
٧ سورة القمر، آية: ٤٨.
٨ سورة ص، آية: ٢٤.
٩ سورة النساء، آية: ٢٤.