وسيتناول هذا البحث كتاباً ألّف في هذا العلم في النصف الأول من القرن الماضي، وكان مؤلّفه العلامة عبدالحميد الفراهي أحد أفذاذ العلماء المتأخرين، "نادراً في علماء العرب فضلاً عن علماء الهند" كما يقول الدكتور تقي الدين الهلالي رحمه الله. (١) وأجمع معاصروه من شيوخه وأقرانه على نبوغه في علم القرآن وتبحره في علوم العربية. والناظر في مؤلفاته لا يسعه إلا أن يصدق قول القائل: "كم ترك الأول للآخر".
وقد ألّف ما يربو على عشرين كتاباً في اللغة العربية، معظمها في علوم القرآن، ومنها هذا الكتاب الذي طبع قبل (٤٥) سنة ونفد قبل أن يصل إلى العالم العربي، واقتضت أهمية الكتاب أن يعرّف به في هذه الندوة الكريمة. فكسر البحث على تمهيد وفصلين: التمهيد في نشأة علم غريب القرآن وتطوره وتعريف موجز بأشهر الكتب المصنفة فيه. ولما كان مؤلف الكتاب غير معروف عند كثير من الباحثين، ويدل على ذلك أنه لم يترجم في كتاب الأعلام للزركلي رحمه الله، خصص الفصل الأول لترجمته، ثم يتناول الفصل الثاني التعريف بكتاب مفردات القرآن وبيان منهجه وميزته وقيمته العلمية.
تمهيد
قد عُني المسلمون بتفسير ألفاظ القرآن في وقت مبكر، وتفننوا فيه. فصنّفوا كتباً في تفسير مشكل القرآن وغريبه، وأفردوا كتباً في لغات القرآن، وأخرى في الوجوه والنظائر. وأقدم الرسائل في كل نوع من الأنواع المذكورة تنسب إلى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (ت ٦٨هـ). ولا غرو في ذلك فهو ترجمان القرآن وحبر الأمة، فكثرت مروياته في التفسير كثرة ظاهرة، كما كثر الحمل عليه أيضاً في هذا الباب.