قيل كافيا وقيل ذلك إشارة إلى ما قال: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) وقوله: (ويرزق من يشاء بغير حساب) ففيه أوجه.
الاول: يعطيه أكثر مما يستحقه.
والثانى: يعطيه ولا يأخذه منه.
والثالث يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه كقول الشاعر: * عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر * والرابع: يعطيه بلا مضايقة من قولهم حاسسته إذا ضايقته.
والخامس: يعطيه أكثر
مما يحسبه.
والسادس: أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم وذلك نحو ما نبه عليه بقوله تعالى: (ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن) الآية.
والسابع: يعطى المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب وفى وقت ما يجب ولا ينفق إلا كذلك ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضره كما روى " من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة " والثامن: يقابل الله المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه كما قال عزوجل: (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) وعلى نحو هذه الاوجه قوله تعالى: (فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) وقوله تعالى: (هذا عطاونا فامنن أو أمسك بغير حساب) وقد قيل: تصرف فيه تصرف من لا يحاسب أي تناول كما يجب وفى وقت ما يجب وعلى ما يجب وأنفقه كذلك.
والحسيب والمحاسب من يحاسبك، ثم يعبر به عن المكافى بالحساب، وحسب يستعمل في معنى الكفاية (حسبنا
الله) أي كافينا هو و (حسبهم جهنم - وكفى بالله حسيبا) أي رقيبا يحاسبهم عليه.
وقوله: (ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ) فنحو قوله (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) ونحوه (وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربى) وقيل معناه ما من كفايتهم عليك بل الله يكفيهم وإياك من قوله (عطاء حسابا) أي كافيا من قولهم حسبى كذا، وقيل أراد منه عملهم فسماه بالحساب الذى هو منتهى الاعمال.
وقيل احتسب ابنا له: أي اعتد به عند الله والحسبة فعل ما يحتسب به عند الله تعالى (الم أحسب الناس - أم حسب الذين يعملون السيئات - ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون - فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله - أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) فكل ذلك مصدره الحسبان والحسبان، أن يحكم لاحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الاصبع، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك، ويقارب