من مقامك) إن المقام المقعد فهذا إن أراد أن المقام والمقعد بالذات شئ واحد، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحدور فصحيح، وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاما إذا اعتبر بقيامه ومقعدا إذا اعتبر بقعوده، وقيل المقامة الجماعة، قال الشاعر: * وفيهم مقامات حسان وجوههم * وإنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان وإن جعل اسما لاصحابه نحو قول الشاعر: * واستب بعدك يا كليب المجلس * فسمى المستبين المجلس.
والاستقامة يقال في الطريق الذى يكون على خط مستو وبه شبه طريق المحق نحو (اهدنا الصراط المستقيم - وأن هذا صراطي مستقيما - إن ربى على صراط مستقيم) واستقامة الانسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) وقال (فاستقم كما أمرت -
فاستقيموا إليه) والاقامة في المكان الثبات وإقامة الشئ توفية حقه، وقال (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل) أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل وكذلك قوله (ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل) ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح به حيثما مدح إلا بلفظ الاقامة تنبيها أن المقصود منها توفية شرائطها لا الاتيان بهيئاتها، نحو (أقيموا الصلاة) في غير موضع (والمقيمين الصلاة) وقوله (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) فإن هذا من القيام لا من الاقامة وأما قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة) أي وفقني لتوفية شرائطها وقوله (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) فقد قيل عنى به إقامتها بالاقرار بوجوبها لا بأدائها، والمقام يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله (إنها ساءت مستقرا ومقاما) والمقامة الاقامة، قال (الذى أحلنا دار المقامة من فضله) نحو (دار الخلد - وجنات عدن) وقوله (لا مقام لكم فارجعوا) من قام أي لا مستقر لكم وقد قرئ (لا مقام لكم) من أقام.
ويعبر بالاقامة عن الدوام نحو (عذاب
مقيم) وقرئ (إن المتقين في مقام أمين) أي في مكان تدوم إقامتهم فيه، وتقويم الشئ تثقيفه، قال (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) وذلك إشارة إلى ما خص به الانسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في هذا العالم، وتقويم السلعة بيان قيمتها.
والقوم جماعة الرجال في الاصل دون النساء، ولذلك قال: (لا يسخر قوم من قوم) الاية، قال الشاعر: * أقوم آل حصن أم نساء * وفى عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا، وحقيقته