(يوم نبطش البطشة الكبرى) فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفى البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.
والكبار أبلغ من الكبير، والكبار أبلغ من ذلك، قال: (ومكروا ومكرا كبارا).
كتب: الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة، يقال كتبت السقاء، وكتبت البغلة جمعت بين شفويها بحلقة، وفى التعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ، فالاصل في الكتابة النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للاخر ولهذا سمى كلام الله وإن لم يكتب كتابا كقوله (الم ذلك الكتاب) وقوله: (قال إنى عبد الله آتانى الكتاب)
والكتاب في الاصل مصدر ثم سمى المكتوب فيه كتابا، والكتاب في الاصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه وفى قوله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) فإنه يعنى صحيفة فيها كتابة، ولهذا قال: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) الاية ويعبر عن الاثبات والتقدير والايجاب والفرض والعزم بالكتابة، ووجه ذلك أن الشئ يراد ثم يقال ثم يكتب، فالارادة مبدأ والكتابة منتهى.
ثم يعبر عن المراد الذى هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التى هي المنتهى، قال: (كتب الله لاغلبن أنا ورسلي) وقال تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا - لبرز الذين كتب عليهم القتل) وقال: (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي في حكمه، وقوله (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) أي أو حينا وفرضنا وكذلك قوله (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) وقوله (كتب عليكم الصيام - لم كتبت علينا القتال - ما كتبناها عليهم - لولا أن كتب الله عليهم الجلاء) أي لولا أن أوجب الله عليهم الاخلال بديارهم، ويعبر
بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير في حكم الممضى وعلى هذا حمل قوله (بلى ورسلنا لديهم يكتبون) قيل ذلك مثل قوله (يمحو الله ما يشاء ويثبت) وقوله: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه) فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) لان معنى أغفلنا من قولهم أغفلت الكتاب إذا جعلته خاليا من الكتابة ومن الاعجام، وقوله (فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) فإشارة إلى أن ذلك مثبت له ومجازي به.
وقوله (فاكتبنا مع الشاهدين) أي اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) الاية وقوله (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) فقيل إشارة إلى


الصفحة التالية
Icon