بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين.
قال الشيخ أبو القاسم الحسين ابن محمد بن الفضل الراغب رحمه الله: أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير والشر بصورتيهما.
ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، ومن الموصوفين بقوله تعالى (هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) وبقوله: (أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه).
كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا مختتمة، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) جعل كتابه المنزل عليه متضمنا ثمرة كتبه التى أولاها أوائل الامم كما نبه عليه بقوله تعالى: (يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم، وبحيث تقصر الالباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله تعالى: (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه، ونفع ما يوليه، فإنه: كالبدر من حيث التفت رأيته * يهدى إلى عينيك نورا ثاقبا
كالشمس في كبد السماء وضوءها * يغشى البلاد مشارقا ومغاربا لكن محاسن أنواره لايثقفها إلا البصائر الجلية وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الايدى الزكية، ومنافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقية كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) وقال في وصف سامعيه (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى).
وذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر وحرص، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات.
ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد الذى يرقى كاسبه في درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى


الصفحة التالية
Icon