فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات، وأكبر الوسائل والمقاصد، ولأجلها خلقت الخليقة، ولأجلها حق الجزاء، ولأجلها خلقت الجنة والنار، ولأجلها جرت على الخليقة أحكامُ الملكِ الجبارِ الشرعيةُ والجزائيةُ لكانت كافيةً شافيةً.
هذا وقد اشتمل شرعه على كلِّ خير، فأخباره تملأ القلوب علمًا وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، ويحصل لها من المعارف أفضل الغنائم والمكاسب. وأوامره كلُّها منافع ومصالح، وتثمر الأخلاقَ الجميلة والمناقب الثمينة، والأعمال الصالحة، والهدي الكامل، والأجر العظيم، والثواب الجسيم. ونواهيه كلُّها موافقة للعقول الصحيحة والفطر المستقيمة، لأنِّها لا تنهى إلا عما يضر الناس في عقولهم وأخلاقهم وأعراضهم وأبدانهم وأموالهم.
وبالجملة فالمصالح الخالصة أو الراجحة تأمر بها، والمفاسد الخالصة أو الراجحة تنهى عنها، فهو الحكيم في خلقه وأمره. وكذلك أحكام الجزاء على الأعمال في غاية المناسبة والموافقة للحكمة جملة وتفصيلاً، والله اعلم.
السميع البصير، العليم الخبير
أي السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، سرها وجهرها، ﴿سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخلف باليل وسارب بالنهار﴾ [الرعد: ١٠].
البصير الذي أبصر كلَّ شيء دقَّ وجلَّ، فيبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظلمة الليل، ويبصر جريان الأغذية في عروق الحيوانات وأغصان النباتات. ولقد أحسن من قال ١-أوردها صاحب الكشاف (١/٥٧) ولم ينسبها لقائل.:
يا مَنْ يرى مدَّ البعوضِ جناحَها في ظلمةِ الليلِ البهيم ِ الأليلِ
ويرى نياطَ عروقِها في نحرِها والمخَّ من بين العظامِ النحلِ
امنن عليَّ بتوبةٍ تمحو بها ما كان مني في الزمانِ الأولِ