واعلم أنَّ توبة الله على عبده تتقدمها توبة منه عليه، حيث أذن له ووفَّقه وحرَّك دواعي قلبه لذلك، حتى قام بالتوبة توفيقًا من الله، ثم لما تاب بالفعل تاب الله عليه فقبِلَ توبته، وعفى عن خطاياه وذنوبه، وكلُّ الأعمال الصالحة بهذه المثابة، فالله هو الذي ألهمها للعبد وحرَّك دواعيه لفعلها وهيَّأ له أسبابه، وصرف عنه موانعها، والله تعالى هو الذي يتقبَّلها منه ويثيبه عليها أفضل الثواب، فعلى العبد أن يعلم أنَّ الله هو الأول الآخر، وأنَّه المبتدئ بالإحسان والنِعم، المتفضل بالجود والكرم، بالأسباب والمسببات، بالوسائل والمقاصد.
ومن أخص أسباب العفو والمغفرة أنَّ الله يجازي عبده بما يفعله العبد مع عباد الله، فمن عفى عنهم عفى الله عنه، ومن غفر لهم إساءتهم إليه وتغاضى عن هفواتهم نحوه غفر له، ومن سامحهم سامحه الله.
ومن أسبابه التوسل إلى الله بصفات عفوه ومغفرته كقول العبد: اللهم إنَّك عفو تحب العفو فاعف عني، يا واسع المغفرة اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني إنَّك أنت العفو الغفور.
العليُّ الأعلى
أي الذي له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات:
فهو العلي بذاته قد استوى على العرش، وعلا على جميع الكائنات، وبايَنَها.
العلي بقدْره وهو علو صفاته وعظمتُها، فإنَّ صفاته عظيمةٌ لا يماثلها ولا يقاربها صفة أحد، بل لا يطيق العباد أن يحيطوا بصفة واحدة من صفاته.
العلي بقهره حيث قهر كلَّ شيء ودانت له الكائنات بأسرها، فجميع الخلق نواصيهم بيده فلا يتحرك منهم متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. والفرق بين العلي [و] الأعلى أن العلي يدل على كثرة الصفات ومتعلقاتها وتنوعها، والأعلى يدل على عظمتها.
الكبير العظيم
وهو الذي له الكبرياء نعتًا، والعظمة وصفًا.