وذاته تعالى أكمل الذوات وأجمل من كل شيء، ولا يمكن أن يُعَبَّرَ عن كنه جماله، كما لا يمكن التعبير عن كنه جلاله، حتى إنَّ أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم الذي لا يوصف، والسرور والأفراح واللذات التي لا يقادر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله، نسوا ما هم فيه من النعيم، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح، وودُّوا أن لو تدوم لهم هذه الحال التي هي أعلى نعيم ولذة، واكتسوا من جماله جمالاً إلى ما هم فيه من الجمال، وكانت قلوبهم دائمًا في شوق عظيم ونزوع شديد إلى رؤية ربهم، حتى إنهم ليفرحوا بيوم المزيد فرحًا تكاد تطير له القلوب، مع أنَّ هذه اللذة وإن كانت تبعًا لمعرفتهم بربهم ومحبته والشوق إليه، ولكن عند رؤية محبوبهم ومشاهدة جماله وجلاله، تتضاعف اللذة وتقوى المعرفة والحب.
وكذلك هو الجميل في صفاته، فإنها صفات حمد وثناء ومدح، فهي أوسع الصفات وأعمُّها وأكثرها تعلقًا، خصوصًا أوصاف الرحمة والبر والإحسان والجود والكرم، فإنها من آثار جماله. ولذلك كانت أفعاله كلها جميلة لأنها دائرة بين أفعال البر والإحسان، التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر عليها، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها الحكمة والحمد.
فليس في أفعاله عبث ولا سفه ولا ظلم، بل كلُّها هدى ورحمة وعدل ورشد ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦].
فأفعاله كلها في غاية الحسن والجمال، وشرعه كلُّه رحمة ونور وهدى وجمال، وكلُّ جمال في الدنيا وفي دار النعيم فإنَّه أثر من آثار جماله.
وهو تعالى له المثل الأعلى، فمعطي الجمال أحق بالجمال، وكيف يقدر أحد أن يعبر عن جماله وقد قال أعرف الخلق به: (لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم في صحيحه (رقم: ٢٢٢)..
الحَكَمُ العدل
أي هو تعالى الملك الحكمُ الذي له الحكم في الدنيا والآخرة.