وكذلك لما كان في حال وضعه غير مقتدر على مباشرة ذلك بنفسه، حنّن اللهُ الأمهاتِ من الآدميين والحيوانات، وأوقع في قلوبها الرحمة العظيمة والرقة على أولادها، فأعانت أولادها على تناول الأرزاق والأغذية. فتبارك الله اللطيف الخبير.
وتنوعُ الأرزاق وكثرة فنونها لا يحصيها وصف الواصفين، ولا تحيط بها عبارات المعبَّرين.
الواحد الأحد الفرد
أي هو الواحد المتفرِّد بصفات المجد والجلال، المتوحِّد بنعوت العظمة والكبرياء والجمال، فهو واحد في ذاته، وواحد في أسمائه لا سمي له، وواحد في صفاته لا مثيل له، وواحد في أفعاله لا شريك له ولا ظهير ولا عوين، وواحد في ألوهيته فليس له ندّ في المحبة والتعظيم، ولا له مثيل في التعبد له والتأله، وإخلاص الدين له، وهو الذي عظمت صفاته ونعوته حتى تفرد بكلِّ كمال، وتعذر على جميع الخلق أن يحيطوا بشيء من صفاته أو يدركوا شيئًا من نعوته، فضلاً عن أن يماثله أحد في شيء منها.
فأحديته تعالى تدل على ثلاثة أمور عظيمة:
١- نفي المثل والندّ والكفؤ من جميع الوجوه.
٢- وإثبات جميع صفات الكمال بحيث لا يفوته منها صفة ولا نعت دال على الجلال والجمال.
٣- وأنّ له من كلِّ صفة من تلك الصفات أعظمها وغايتها ومنتهاها ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ [النجم: ٤٢].
الصمد
أي السيد العظيم الذي قد كمل في علمه وحكمته وحلمه وقدرته وعزَّته وعظمته وجميع صفاته، فهو واسع الصفات عظيمها، الذي صَمَدَت إليه جميعُ المخلوقات، وقصدته كلُّ الكائنات بأسرها في جميع شؤونها، فليس لها ربٌّ سواه، ولا مقصود غيره تقصده وتلجأ إليه في إصلاح أمورها الدينية، وفي إصلاح أمورها الدنيوية، تقصده عند النوائب والمزعجات، وتضرع إليه إذا عرتها الشدَّات والكربات، وتستغيث به إذا مسَّتها المصاعب والمشقات، لأنَّها تعلم أنَّ عنده حاجتها، ولديه تفريج كرباتها لكمال علمه وسعة رحمته ورأفته وحنانه، وعظيم قدرته وعزته وسلطانه.
الغني المغني


الصفحة التالية
Icon