والله تعالى له الكمال التام المطلق، فكلُّ وصف من صفاته له خاصية في العبودية، وانجذاب القلوب إلى مولاها، ثم تودَّد لهم بآلائه ونعمه العظيمة التي بها أوجدهم، و بها أبقاهم وأحياهم، و بها أصلحهم، و بها أتم لهم الأمور، و بها كَمَّلَ لهم الضروريات والحاجيات والكماليات، و بها هداهم للإيمان والإسلام، و بها هداهم لحقائق الإحسان، و بها يسّر لهم الأمور، و بها فرّج عنهم الكربات وأزال المشقات، و بها شرع لهم الشرائع ويسّرها ونفى عنهم الحرج، و بها بيّن لهم الصراط المستقيم وأعماله وأقواله، و بها يسّر لهم سلوكه وأعانهم على ذلك شرعًا وقدرًا، و بها دفع عنهم المكاره والمضار كما جلب لهم المنافع والمسارّ، و بها لطف بهم ألطافًا شاهدوا بعضها وما خفي عليهم منها أعظم.
فجميع ما فيه الخليقة من محبوبات القلوب والأرواح والأبدان الداخلية والخارجية الظاهرة والباطنة، فإنَّها من كرمه وجوده، يتودد بها إليهم، فإنَّ القلوب مجبولة على محبة المحسن إليها، فأيُّ إحسان أعظم من هذا الإحسان الذي يتعذر إحصاء أجناسه فضلاً عن أنواعه، فضلاً عن أفراده، وكلُّ نعمة منه تطلب من العباد أن تمتلئ قلوبهم من مودته وحمده وشكره والثناء عليه.
ومن تودُّده أنَّ العبد يشرد عنه فيتجرأ على المحرِّمات، ويقصِّر في الواجبات. والله يستره ويحلم عنه ويمده بالنعم، ولا يقطع عنه منها شيئًا، ثم يقيّض له من الأسباب والتذكيرات والمواعظ والإرشادات ما يجلبه إليه، فيتوب إليه وينيب، فيغفر له تلك الجرائم، ويمحو عنه ما أسلفه من الذنوب العظائم، ويعيد عليه ودَّه وحبه. ولعل هذا والله أعلم سر اقتران الودود بالغفور في قوله: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ [البروج: ١٤].