ومن سعته: ما احتوت عليه دار النعيم من الخيرات، والمسرَّات والأفراح واللذات المتتابعات، مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فخير الدنيا والآخرة وألطافهما من فضله وسعته، وجميع الأسباب والطرق المفضية إلى الراحات والخيرات كلُّها من فضله وسعته.
النور الهادي الرشيد
النور من أوصافه تعالى على نوعين:
نور حسي: وهو ما اتصف به من النور العظيم، الذي لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ونور جلاله ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهذا النور لا يمكن التعبير عنه إلا بمثل هذه العبارة النبوية المؤدية للمعنى العظيم، وأنَّه لا تطيق المخلوقات كلُّها الثبوت لنور وجهه لو تبدَّى لها، ولولا أنَّ أهل دار القرار يعطيهم الرب حياة كاملة، ويعينهم على ذلك لما تمكنوا من رؤية الرب العظيم. وجميع الأنوار [في] - ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق. السموات العلوية كلُّها من نوره، بل نور جنات النعيم التي عرضها السموات والأرض -وسعتُها لا يعلمها إلا الله- من نوره، فنور العرش والكرسي والجنات من نوره، فضلاً عن نور الشمس والقمر والكواكب.
النوع الثاني: نوره المعنوي وهو النور الذي نوّر قلوب أنبيائه وأصفيائه وأوليائه وملائكته، من أنوار معرفته وأنوار محبته، فإنَّ لمعرفته في قلوب أوليائه المؤمنين أنوارًا بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله، وما اعتقدوه من صفات جماله، فكلُّ وصف من أوصافه له تأثير في قلوبهم، فإنَّ معرفة المولى أعظم المعارف كلِّها، والعلم به أجلّ العلوم، والعلم النافع كلُّه أنوار في القلوب، فكيف بهذا العلم الذي هو أفضل العلوم وأجلّها وأصلها وأساسها.
فكيف إذا انضم إلى هذا النور محبته والإنابة إليه، فهنالك تمتلئ أقطار القلب وجهاتُه من الأنوار المتنوعة وفنونِ اللذات المتشابهة في الحسن والنعيم.
فمعاني العظمة والكبراء والجلال والمجد، تملأ قلوبهم من أنوار الهيبة والتعظيم والإجلال والتكبير.